دقت ساعة الصفر النووي
إيران توفر شبكة أمان نووي للعرب
أي رئيس أمريكي يهاجم طهران أحمق
مصر والسعودية في النادي النووي بعد إيران
21 مارس 2006، عيد رأس السنة الإيرانية، على خلفية موسيقى الاحتفالات بالعام الجديد التي يبثها التليفزيون الإيراني، يعلن الرئيس "أحمدي نجاد" أن بلاده أجرت تجربة نووية ناجحة، وانضمت لنادي الكبار، بحصولها على القنبلة النووية. وتدفق ملايين الإيرانيين إلى الشوارع في مظاهرات احتفالية تلعن الغرب وإسرائيل. ودعا الرئيس الإيراني الدول العربية للوحدة من أجل إعلان الجهاد ضد إسرائيل، ووعدهم بتوفير مظلة نووية إيرانية ضد أي هجوم إسرائيلي غير تقليدي.
هذا هو السيناريو الثالث الذي وضعه الخبراء الإسرائيليون خلال الندوة الخطيرة التي جمعتهم بمقر صحيفة معاريف، في تل أبيب، والتي ضمت ستة خبراء إسرائيليين في شئون الشرق الأوسط، والدراسات الاستراتيجي والعلاقات الدولية في محاولة للإجابة عن الأسئلة التي تقلق صناع القرار في تل أبيب بشأن القنبلة النووية الإيرانية. ووضعوا ثلاث سيناريوهات للقضية، تكشف مدى العجز الأمريكي والإسرائيلي والغربي عامة، في مواجهة القنبلة النووية الإيرانية القادمة لا محالة.
وقد حضر هذه الندوة، اللواء "يعقوب عميدور" رئيس شعبة العمليات بالمخابرات العسكرية الإسرائيلية (أمان) السابق، والبروفيسور "دافيد منشاري" رئيس مركز الدرسات الإيرانية بجامعة تل أبيب. والباحث "هيرش جولدمان" من مركز يافيه للدراسات الاستراتيجية المتخصص في الشئون الأمريكية، والبروفيسور "أيال زيسار" رئيس قسم تاريخ الشرق الأوسط بجامعة تل أبيب المتخصص في الشئون العربية، ود. "شارون بيدرو" مدير مركز الأبحاث الاجتماعية والسياسية الأوربية بجامعة بن جوريون، والبروفيسور "أمنون سيلع"، من معهد هرتسليا للمناعة القومية محللا للموقف الروسي في إطار ما يطرح في الندوة من أسئلة. و حاول الخبراء الإسرائيليون الإجابة على الأسئلة التالية، هل إسرائيل قادرة على إنزال ضربة تقضي على البرنامج النووي الإيراني، وماهي ردود فعل الدول العربية؟ كيف سيتصرف الأمريكان إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في وقف سباق آيات الله نحو القنبلة؟ كيف ستبدو المنطقة في اليوم الذي سيعلن فيه الرئيس "أحمدي نجاد" أن بلده أجرت تجربة نووية ناجحة؟
وخرجت فعاليات الندوة بثلاث سيناريوهات لتطورات الأزمة، الأول يرجح قيام إسرائيلية بضربة إجهاضية للمشروع الإيراني، والثاني يستبعد قيام أمريكا بالمهمة نيابة عن تل أبيب، والثالث يحاول رصد التغييرات السياسية التي ستطرأ على مواقف الدول العربية، وإسرئيل في حال حصول إيران على السلاح النووي.
السيناريو الأول
هجوم إسرائيلي
26 أبريل 2006، شبكات التليفزيون العالمية تبث أنباء عن هجوم جوي مكثف على عشرات الأهداف في جميع أنحاء إيران. وبعد مرور عدة ساعات يعقد رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤتمرا صحفيا عالميا، يؤكد فيه أن سلاح الجو الإسرائيلي هاجم سلسلة طويلة من المواقع النووية الإيرانية. وراح ضحيتها مئات الأشخاص الذين تواجدوا في مناطق الهجوم.
يرى رئيس شعبة العمليات بالمخابرات الإسرائيلية اللواء "يعقوب عميدور" أن هذا السيناريو هو الأفضل بالنسبة لإسرائيل، وأمريكا، وفيما يتعلق بالدراسة البريطانية التي صدرت الأسبوع الماضي، لتحذر من موجة إرهاب عالمي تزهق أرواح آلاف القتلى عقب أي هجمة عسكرية ضد إيران. فإنها تذكرني بالقصة التي رددوها عندما هددت إسرائيل باغتيال الشيخ أحمد ياسين، وأشاعوا أن الشرق الأوسط سيشتعل!! وأظن أن قدرة إيران على رد الفعل أقل بكثير مما ورد في البحث البريطاني خاصة فيما يتعلق بما تمتلكه من صواريخ متطورة. فإسرائيل وصلت إلى قدرة دفاعية تمكنها من صد الصواريخ الإيرانية، وإبعاد خطرها. لكن المشكلة الحقيقية تتركز في كميات ونوعيات الصواريخ التي أصبحت بحوزة حزب الله. ولهذا عندما نهاجم إيران يجب أن نأخذ موضوع حزب الله في الاعتبار، وإن كان من غير المؤكد حتى اليوم أن حزب الله هو الذي سيرد بالنيابة عن إيران.
- هل لدى إسرائيل القدرات العسكرية التي تؤهلها لشن هجوم خاطف ضد إيران؟
- اللواء عميدور: هذا سؤال صعب. إذا نظرنا إلى المسألة بشكل مجرد، من حيث كمية القنابل المتوفرة، والمسافة الجغرافية التي تفصلنا عن إيران، فإننا نستطيع تنفيذ العملية بكل يسر. لكن إذا أخذنا في الاعتبار أن عدد من الدول تفصلنا عن إيران، وإننا يجب أن نفكر في طريق عودة الطائرات، قبل أن نفكر في طريق الذهاب فإن المسألة في غاية الصعوبة. والحل يكمن في الحصول على موافقة دول الجوار. أو ضوء أخضر أمريكي، وبعض المساعدات اللوجستية من القوات الأمريكية في العراق.
- وماذا سيكون رد الفعل الأمريكي على الهجوم الإسرائيلي؟
- هيرش جولدمان (الولايات المتحدة): لو كنت في موقع اتخاذ القرار في الولايات المتحدة الأمريكية كنت سأقول لإسرائيل أن إحدى قواعد السياسة الأمريكية هي منع أي هجوم إسرائيلي على إيران بأي ثمن. فأي هجوم من هذا القبيل يضر أكثر مما ينفع. لقد رأينا ما فعلته عدة "رسوم كاريكاتورية" في العالم الإسلامي. ولك أن تتخيل ما يمكن أن يتسبب فيه هجوم إسرائيلي ضد إيران. والأهم أن إسرائيل يجب أن تركز في الدفاع عن نفسها، لا الهجوم على الآخرين. وتعالى نفترض أن إيران حصلت على قنبلة نووية أو قنبلتين أو ثلاث، ما المشكلة، فطبقا لما ذكره "فانونو" فإن إسرائيل تمتلك حوالي مائتي قنبلة نووية. ولديكم صواريخ "حيتس" بأعداد تمكن من إطلاق عشرين صاروخ على كل مقذوف صاروخي يخرج من طهران. إن التعامل الإسرائيلي مع الملف الإيراني ينطوي على قدر كبير من الهستريا غير المبررة. ويجب أن تأخذوا في الاعتبار أن أي هجوم نووي إيراني على إسرائيل سيؤدي إلى قتل مئات الآلاف من العرب، وتلويث المياه الإقليمية، وتدمير نصف الشعب الفلسطيني، وربما تدمير المسجد الأقصى أيضا. ولا أظن أن واحدا من آيات الله، حتى لو كان سكرانا، يمكن أن يقدم على مثل هذه الخطوة الخطيرة.
وبناء على ذلك يجب أن نركز على المجهودات الدولية الرامية إلى تقليل إمكانية حصول إيران على السلاح النووي. والأهم من ذلك عدم حصول دول أخرى في الشرق الأوسط على نفس السلاح. فإذا حصل الإيرانيون على النووي، فمن يضمن ألا يحصل عليه المصريون والسعوديون.
وهنا يتدخل البروفيسور "دافيد منشاري" المتخصص في الشئون الإيرانية ليقول: "أن لا أعرف ما هو رد الفعل الإيراني الممكن إذا تلقت إيران ضربة إسرائيلية. فإيران دولة لم تشعر بأي قلق على حياة أبنائها طوال ثماني سنوات هي مدة الحرب الإيرانية- العراقية. وردود فعل الإيرانيين غير مضمونة إذا تعرضت كرامتهم القومية للمساس. ساعتها سترد إيران بكل ما يتاح لها من وسائل. لديهم صواريخ يمكنها أن تضرب العمق الإسرائيلي، ولا أظن أنها ستتردد في استخدامها. ويجب أن نفهم أن القضية النووية هي قضية محل إجماع قومي في إيران، حتى المعارضة الإيرانية في الخارج تدعم وتساند هذا المشروع بكل ما أوتيت من قوة. خاصة وان إيران محاطة بعدة دول تمتلك السلاح النووي مثل الهند وباكستان وإسرائيل، وغيرها.
كما أن الإيرانيين ليسوا حمقى. لقد أرسوا قواعد العمل الدبلوماسيين قبل أن تظهر الولايات المتحدة على مسرح التاريخ. والتوليفة التي تجمع بين تاجر العاديات الناجح، وآية الله الحاكم، تخلق سياسيين شطار. الأمريكان يتعاملون مع دولة جادة, ومع أشخاص يعرفون الوصول إلى الحافة مع تفادي خطر السقوط في الهاوية. لدى الإيرانيين ثروات نفطية هائلة، وكل دولار زيادة في سعر برميل النفط يضيف في السنة مليار دولار جديد للخزينة الإيرانية، وهم يدركون أن العالم الغربي مفتت، وأن روسيا والصين في جانبهم.
-السؤال الآن ماذا ستكون ردود الأفعال العربية على أي هجوم إسرائيلي ضد إيران؟
-البروفيسور "إيال زيسار" (شئون عربية): لا يوجد شيء أصلا اسمه العالم العربي، أننا نتحدث عن دول مختلفة في السياسات والتوجهات، وليس أدل على ذلك من المواقف العربية من قضية غزو العراق. لكن مع ذلك يجب أن نذكر أن هناك رأي عام معاد لإسرائيل. وهذا الرأي العام يساند المشروع الإيراني بوصفه فرصة للقضاء على إسرائيل. وإذا تجاوزنا الرأي العام العربي، فإن الدول الموالية للغرب تخشى اللحظة التي ستمتلك فيها إيران سلاحا نوويا. ولكنهم لا يعلنون عن مواقفهم الحقيقية، وإذا هاجمت إسرائيل المشروع الإيراني لن تزيد ردود أفعالهم عن الشجب والإدانة، والمطالبة بنزع السلاح النووي الإسرائيلي. وحتى الدول والقوى المعنية بحصول إيران على سلاح نووي مثل سوريا وحزب الله، أشك في أنهم سيردون بالنيابة عنها حال تعرضها لهجوم إسرائيلي. فحزب الله قد يوصف بأنه موالي لإيران، لكن هذا لا ينفي أنه صاحب سياسة مستقلة، ولن ينجر لمواجهة شاملة مع إسرائيل، قد يقتصر الأمر على عملية هنا، وأخرى هناك. خاصة أن المواجهة الشاملة لا تخدم أهدافه في السياق اللبناني.
-تعرضت روسيا لانتقادات كثيرة بسبب مساعدتها لإيران، ماذا يريد الروس بالضبط؟
-البروفيسور سيلع (روسيا): " لدى الصين وروسيا مصالح اقتصادية هائلة في إيران. 13% من النفط الذي تستهلكه الصين يأتي من إيران. وإذا فرض حظر دولي على إيران فهذا يعني كارثة مروعة للصينيين. وكذلك الروس لا يستطيعون تجاهل أن الإيرانيون دفعوا حوالي مليار دولار، على الطاولة، مقابل المساعدات الروسية في مفاعل "بوشهر". وحوالي 700 مليون دولار مقابل أسلحة تقليدية وصواريخ. علاوة على أن روسيا تقف وراء مشروع إقامة أنبوب نفط يربط بين إيران والهند وباكستان. وإذا كانت أوروبا عاجزة عن الإقدام على فرض حظر على إيران بسبب مصالحها الاقتصادية، فما بالك بروسيا".
السيناريو الثاني
هجوم أمريكي
24 نوفمبر 2006، التليفزيون الأمريكي يقطع فجأة برامج عيد الشكر، ليذيع نبأ الهجوم المشترك الذي قامت بها القوات الجوية والبحرية على المشروع النووي الإيراني. وقد شارك في هذا الهجوم وحدات المارينز، وتسببت الخسائر الرهيبة الناجمة عن الهجوم الأمريكي في خروج ملايين المتظاهرين الثائرين في العالم العرب والإسلامي. وخرجت تنظيمات المقاومة تهدد برد فعل يقلب العالم الغربي رأسا على عقب.
هذا السيناريو الذي طرحته صحيفة معاريف لم يلق قبول أي من المشاركين في الندوة، فغالبيتهم، بما في ذلك المتخصص في الشئون الأمريكية، تشككوا في إمكانية حدوث هذا السيناريو.
-ويقول هيرش جولدمان (أمريكا): "فلنفترض أن أمريكا قررت الهجوم. لا أظن أنه من الممكن مهاجمة المواقع الإيرانية بالأسلحة التقليدية، ومن يقرر الهجوم يجب أن يأخذ في الاعتبار ضرورة استخدام سلاحا نوويا تكتيكيا. وأظن أن الخسائر في هذه الحالة ستزيد عن المكاسب. فهذا الهجوم قد يبرر الحرب البيولوجية ضد الأمريكان. ويجرنا للدخول في عصر الإرهاب غير التقليدي ضد كل الأهداف الغربية بلا استثناء. والرئيس الأمريكي الذي يقدم على مثل هذه الخطوة يرتكب حماقة أخطر من حماقة غزو العراق. وبدلا من ضرب إيران كنت أفضل تحسين المعلومات الاستخبارية التي ظهر جليا قصورها في ليبيا، وأماكن أخرى. وأحاول أن أعزز العلاقات مع الصين، وأجفف المنابع التي من الممكن أن تحصل منها إيران على المواد التي تنقصها لاستكمال برنامجها النووي.وحتى لو حصلوا بعد ذلك على قنبلة أو اثنتين، فكأنهم لم يحصلوا على شيء، لأنها قنابل غير قابلة للاستخدام الفعلي.
- وهنا يتدخل اللواء "يعقوب عميدور" قائلا: "لا أظن أن الإيرانيين يلهون بالموضوع النووي، بل يجب أن تعلم أن لديهم التزام أيديولوجي يرمي إلى تدمير إسرائيل. وفي هذه المسألة لا يجوز لصناع القرار في تل أبيب إلا أن يتصوروا السيناريو الأسوء. وليس معنى ذلك ضرورة الهجوم على إيران غدا، ولكن يجب إيجاد منظومة ردع قوية حتى يعرف الإيرانيون الثمن الفادح الذي سيدفعونه لو هاجموا إسرائيل.
-بغض النظر عن القضايا الأمنية الإسرائيلية، نريد أن نعرف كيف ستؤثر المظلة النووية الإيرانية على قرارات الدول العربية؟
-البروفيسور "زيسار": "العالم العربي لا يرى أن القدرات النووية الإيرانية تمثل تهديدا موجها إليه بالمرة. فعلى مستوى الشارع، وربما في أوساط الإدارة، هناك شعور بالشماتة في إسرائيل والولايات المتحدة. والأمر المؤكد أننا سنواجه شرق أوسط جديد. فعلى سبيل المثال، كيف ستفكر سوريا في خيار السلام الذي تبنته خلال التسعينات؟ هل سيجد المسئولون السوريون حاجة ملحة في الوصول إلى سلام مع إسرائيل، في ظل وجود قوة نووية إيرانية؟ لا شك أن هذه القنبلة ستخلق شعورا نفسيا بالانتصار المدوي الذي حققه العالم الإسلامي، وستبرز أفكار من نوع "أن تصفية إسرائيل هي مسألة وقت لا أكثر ولا أقل". وستنتشر هذه الأفكار في العالم العربي من المحيط إلى الخليج. والقوى الراديكالية مثل حزب الله والجهاد، وحماس ستعيد النظر فيما يمكن أن يقدموا عليه إزاء إسرائيل، ودول مثل مصر والسعودية سيصلان إلى نتيجة حتمية بضرورة حصولهما على سلاح نووي كما إيران وإسرائيل.
السيناريو الثالث
قنبلة نووية إيرانية
21 مارس 2006، عيد رأس السنة الإيرانية، على خلفية موسيقى الاحتفالات بالعام الجديد التي يبثها التليفزيون الإيراني، يعلن الرئيس "أحمدي نجاد" أن بلاده أجرت تجربة نووية ناجحة، وانضمت لنادي الكبار، بحصولها على القنبلة النووية. وتدفق ملايين الإيرانيين إلى الشوارع في مظاهرات احتفالية تلعن الغرب وإسرائيل. ودعا الرئيس الإيراني الدول العربية للوحدة من أجل إعلان الجهاد ضد إسرائيل، ووعدهم بتوفير مظلة نووية إيرانية ضد أي هجوم إسرائيلي غير تقليدي.
يقول اللواء "عميدور": إذا حدث هذا السيناريو فإن العالم سيتغير تماما. فعلى الصعيد الإسرائيلي سيخلق هذا الأمر ثلاث إشكاليات: أولا سيتسبب ذلك في إفقادها القدرة على المناور الاستراتيجية، ففي كل مرة ستود إسرائيل اتخاذ قرار استراتيجي من العيار الثقيل، سيتوجب عليها أن تسأل ما هو رد الفعل الإيراني، وهل نستطيع أن نتخذ هذا القرار، وكيف نمرره دون أن نجرح الخيط الرفيع الذي يحفظ توازن الردع النووي. ثانيا سيشعر خصومنا بمساحة اكبر من حرية الحركة، لأنهم سيدركون أنه منذ اللحظة التي حصلت فيها إيران على السلاح النووي فهناك أشياء كثيرة لن نستطيع الإقدام عليها. مثلا ماذا نستطيع أن نفعل إذا أشعل حزب الله الجبهة الشمالية؟. ثالثا لا اشك أننا سنرى بعد ذلك عدة دول نووية أخرى في الشرق الأوسط.
Labels: politics