Tuesday, October 31, 2006

رشاد الشامي..عذرا أستاذي لم أصدق أنه مرضك الأخير

إعتبرته هم شخصىّ ولم أشأ الكتابة عنه حتى لا أشغلكم بهموم خاصة ، إلى أن قرأت اليوم مقالة للأستاذ محمد عبود فى جريدة الكرامة يتحدث عنه ، لم أستطع مقاومة رغبتى فى الحديث عن رشاد الشامى الإنسان وقد تحدث الأستاذ محمد عبود عن الأستاذ الدكتور المفكر والمؤلف والباحث .إنه أستاذى ومعلمى دكتور / رشاد الشامى أستاذ اللغة العبرية بآداب عين شمس .كنت فى فريق الجوالة بالكلية وكان هو الأخ الأكبر للجوالة ، كنا نلتف حوله فى ليالى المعسكرات ليحدثنا عن دراساته للمجتمع الإسرائيلى وكم هو هش هذا المجتمع الذى يضم شرذمة من المهاجرين المتنافرين المتضادين فى العادات والطباع ، فلم يكن يجمعهم إلا هدف واحد وهو إقامة دولة إسرائيل ، كارهين لبعضهم البعض يتعامل الغربى منهم مع الشرقى من منطق السادة والعبيد .كان لايمل عن الحديث عن قدرة الشعوب العربية أصحاب الحق فى سحق هذا الكيان إذا آمن حكامه بما كان يؤمن به عبد الناصر ( الحق فوق القوة ) ، تعلمنا منه أن الإرادة القوية وأن الإيمان بالحق هو طريق النصر .تعلمنا منه كيف نقرأ خبر فى جريدة .. نستخلص مابين السطور.. لمواجهة مايبثه أعلام السادات عن ضرورة وحتمية إقامة سلام مع دولة إسرائيل ، وكان دائما مايحثنا على معرفة لغة عدونا حتى نستطيع معرفة نقاط ضعفه والتغلب عليه .وفى أيام الدراسة كنا نبحث عنه دائما، ونادرا ماكنا نجده فى مكتبه ، فهو دوما وسط الطلبة يناقشهم ويتحاور معهم فى الأمور العامة والخاصة ، علّمنا أن نبحث عن إجابات أسئلتنا فى مكتبة الكلية ، وكما كنا نتسابق لحضور محاضراته .. كنا أيضا نتسابق للذهاب إلى المكتبة لنجرى أبحاث – لم تكن مطلوبة – لنراه هناك يدلنا على الكتب التى يجب أن نقرأ ورسائل الماجستير والدكتوراه لزملائه حيث كان يعتبرها مجهود أولى بالقراءة للإستفادة منه .
كنا نلجأ إليه لمساعدتنا فى حل مشاكلنا مع إدارة الكلية .. جدول الإمتحانات .. توزيع الطلبة على أقسام لغات شرقية ، وأشياء من تعنت الإدارة معنا .. كان أجمل مافيه – وهو يحمل الكثير من بواطن الجمال – أنه لم يكن يتعالى علينا كالآخرين ، بل يستمع ويسعى للحل الذى يرضينا ، مؤمن بإمكانيتنا لخلق مستقبل أفضل فيحاول تذليل الصعوبات لنتفرغ للدراسة والقراءة .
أذكر فى الليسانس أن الكلية أعلنت عن قيام رحلة للأقصر وأسوان ، طلب منا جميعا أن نشترك فيها وأخبرنا أنه المشرف عليها وأنها فرصتنا الأخيرة للإنطلاق معا قبل أن تذهب بنا الحياة كل فى طريقه ، وعندما إعترض بعض الأهل على الذهاب لرحلة لمدة أسبوع كان يجرى الإتصالات بنفسه بهم ليقنعهم بأهمية الرحلة ويؤكد لهم أنه سيسهر على سلامتنا حتى العودة .. وحملت هذه الرحلة أجمل ذكرياتنا عن الجامعة على الإطلاق وقد ارتبطت به .. كم كان حريصا علينا – البنات بالذات – وعلى راحتنا وأمننا ، لم يكن يلجأ لحجرته إلا بعد المرور علينا للإطمئنان على راحتنا ، وفى الصباح الباكر كانت دقاته على الحجرات إيذانا ببداية يوم جديد بما يحمله من سعادة وانطلاق .
كل من تتلمذ على يديه يعلم كم كان هذا الرجل عظيم ..حنون .. محترم .. مفكر ومثقف ومحب لوطنه ومؤمن بقدراته .
أستاذى ومعلمى .. كل تلاميذك مدينين لك بالفضل وكنت تعلم أن من منهم خارج الوطن دائم السؤال عنك والتواصل معك سواء بالخطابات أو الإتصال ، وفى زياراتهم السنوية كان أول إهتماماتهم زيارتك فى الرابطة التى أنشأتها للخريجين من لغات شرقية لتظل الصلة بيننا موجودة ، وكانت ابتسامتك العريضة تستقبلنا عند عودتهم واجتماعنا معا للقيام بزيارتك فخورا وسعيدا بحرصنا على لقائك .عندما اتصل بى صديق من إنجلترا ليخبرنىبسماعه عن مرضك .. طلب أن نتصل به أثناء زيارتنا له ليسمع صوته بنفسه ، وعندما بدأت فى الإتصال بالأصدقاء بالقاهرة لنفعل كما تعودنا .. نزوره مجتمعين ليلقانا بابتسامتة المحببة .. قال لى أحدهم "اتأخرتى ياهدى .. د/رشاد خرج للمرة الأخيرة اليوم صباحا من آداب عين شمس "
جمعتنا فى مرضك كما كنت تجمعنا فى حياتك .. وعندما علم الجميع بخبر الوفاة كنا نبكى ونتبادل التعازى وكأنك الأب والأخ والصديق والأستاذ الذى افتقده كل منا ظنا بأنه كان الأقرب إليك .. فهكذا كنت تشعرنا جميعا .عزائى أنك كنت تعلم كم كنا نحبك وفخورين بأننا تتلمذنا على يديك ، وليسمح لى الأستاذ محمد عبود أن أستعير نهاية مقاله حيث أنه يعبر تماما عنا نحن تلاميذ الدكتور /رشاد الشامى
(( لن أقول وداعا بل أقول سلاما وتحية لك ، فالتحية حياة والتحية هى المحافظة على وديعتك التى أودعتها لدى كل من لايزال مؤمنا بأن المقاومة هى كل مانملك وبأن الوعى النقدى هو طريق النهوض ، د/رشاد الشامى .. لانحسبك من الراحلين عن دنيانا ، ستبقى دوما فينا بعلمك وأبحاثك ووفاء تلامذتك وزملائك الباقين على العهد المقيمين لشعائر الإخلاص )).
عذرا أستاذى لم أكن فى وداعك لم أصدق أنه سيكون مرضك الأخيروأنى لن أراك مرة أخرى .
هدى عبدالباسط
نقلا عن منتديات الكرامة

Labels:

رشاد الشامي..لا نقول وداعا



ليست مرثية لأستاذ

رشاد الشامي..لا نقول وداعا


وقفت متسمرا أمام الطبيب المعالج في غرفة العناية الفائقة..حاول أن ينتقي كلماته بعناية شديدة..وهو يخبرني أنها مسألة وقت، ساعات أو أيام على أقصى تقدير. لا أريد أن أصدق، حاولت أن أستوفي معه حلولا طبية أخرى، دون جدوى، لقد قضي الأمر.وصرت أشعر أن جزءاً حميما مني يندثر.
حاولت أن أتماسك تأسياً بالشاب الرصين أحمد رشاد الشامي..طالب الكيمياء النووية بكلية الهندسة..فقد شرع يستعد لمواجهة الموقف بمنتهى الصلابة والقوة..مؤكدا لي بتصرفاته الناضجة أن الابن سر أبيه..وأن د. رشاد الشامي ترك لنا رجلا في ثياب الشباب.
بكيت والدموع عزيزة عندما تنهمر من عيون الرجال..لكن في حياة كل منا شخص عزيز يندر تكراره..لا نتصور أن يرحل عنا، ولا نراه ثانية. فلا يفجع الروح ويفطر الفؤاد مثل الفقد، إنه أكثر الأحزان والآلام إيغالا في الروح والبدن، ذلك أن طعم مرارته يغص به الإنسان ليل نهار، ولا يستطيع التعايش معه أو استيعابه، وأكثر مرارات الفقد تجليا وفداحة هو الموت نهاية النهايات وغاية الغايات. إنه الفقد النهائي الذي يستعصي فهمه وفلسفته. ولهذا ربما كانت الفلسفة في تعريف من تعريفاتها، كما رآها أفلاطون هي "تأمل الموت" ومحاولة تفكيكه ومقاربته.. ما معناه؟ من أين يجيء؟ وكيف؟ وماذا يريد؟ وتكون مرارة الفقد أقسى ما تكون إذا اقترنت بالشعور بالعجز وانعدام الحيلة تجاه إنقاذ حياة من نحب..ونشعر أن حياتنا بلا معنى أو قيمة خلوا من تأثيره الروحي..ووجوده الطاغي على الوجود في ذاته.
داخل مبنى الكلية..لامست بكاء صادقا في عيون الجميع. لكني ظللت موصولا بخيوط الأمل..ربما تحدث "معجزة إلهية"..وينهض من جديد..كما عهدته محبا..قويا..مداوماً على "صالونه الثقافي" داخل قسم اللغة العبرية بجامعة عين شمس. وجلساته العلمية التي يطرح في بداية كل منها القضية تلو الأخرى للنقاش..وتستمر الحلقة العلمية من الـ (11) ظهرا..حتى الـ (5) عصرا. قبل أن ننتقل إلى مصر الجديدة أو وسط القاهرة لتناول الغذاء..واستئناف الحديث حول الأدب والفلسفة والعلوم الاجتماعية والشئون الإسرائيلية..والتطورات السياسية والفكر الديني بتجلياته المختلفة.نجلس لنتدارس..وننهل من فيض الأب الذي يأتينا كل يوم بجديد..فهو أحرصنا على القراءة والإطلاع..وأكثرنا دأبا. قرابة العشر سنوات بقيت عضوا في هذا الملتقى مع أساتذتي د. عبدالله رمزي..ود. جمال الرفاعي ود. إبراهيم البحراوي..ويشاركنا بانتظام أساتذة من مختلف أقسام كلية الآداب، ومن جامعات أخرى، يفدون علينا يومي الأثنين والأربعاء للاستفادة من الدفء العلمي والإنساني بصحبة العالم الجليل..رائد الدراسات العبرية في مصر والعالم العربي..كما أطلق عليه زملاؤه.
أشعر بحزن عميق لأنه لم يسجل سيرة حياته الحافلة..رغم إلحاحي عليه..فهو عاشق لأدب السيرة الذاتية..وكثيرا ما دارت بيننا أحاديث مستفيضة حول هذا النوع الفني الأثير لديه.."الأيام" لطه حسين..و"اعترافاتي" لجان جاك روسو. لكنه كان قليل الحديث عن نفسه وعن أدواره الوطنية وإنجازاته العلمية..يرفض الخوض فيها تواضعا ممزوجا بالثقة والاطمئنان والرضا لما أنجزه وحققه عبر حياته. غير أن الأمر المؤكد أن د. رشاد الشامي شكَل حالة ثقافية ومعرفية متفردة..فقد عُين معيدا بقسم اللغة العبرية الناشيء عام 1963 في مرحلة البناء..وسرعان ما وقعت كارثة 67..فحوَل القسم هو وزملاؤه إلى قاعدة للتعاون العلمي البناء مع القوات المسلحة..من خلال الترجمة والتحليل السياسي والمتابعة المستمرة لما يصدر عن العدو الإسرائيلي على مدار الـ24 ساعة. ولم يلهه كل ذلك عن تحويل قاعات المحاضرة التابعة لقسم اللغة العبرية إلى "خلية نحل"..للدراسة والتدريب، وإعداد قوائم بالمصطلحات العسكرية باللغة العبرية ليستعين بها "تلامذة كبار" شكلوا معه خط الدفاع الأول في مواجهة إسرائيل إبان حرب 73. ووسط هذا الجو المشحون بالوطنية..أوقف نفسه على خدمة "البلد"..فأنجز عام 69 رسالة الماجستير الأولى من نوعها في مجال الأدب العبري الحديث..مؤمنا بأن الأدب العبري بالذات وسيلة جادة لفهم تعقيدات المجتمع الإسرئيلي ومتاهاته. قال لي أن: "نكسة 67 لم تهز إيمانه بمصر..وأن متابعته المستمرة للساحة الإسرائيلية..زادته يقينا بالنصر..ولم يصدق للحظة أن "إسرائيل" مجتمع لا يقهر". وعقب انتصار 73 بادر مع نفر قليل من الباحثين الواعدين وقتها- السيد ياسين..د. قدري حفني..د. إبراهيم البحرواي- بمهمة استجواب الأسرى الإسرائيليين الذين كانوا يقعون بوفرة في أيدي جنودنا على ضفاف القنال. وتمثلت المهمة وقتها في دراسة مواقفهم والمشاعر الحاكمة لاتجاهاتهم الفكرية..واستدرار المعلومات من أفواههم. وظل يحتفظ حتى آخر لحظة بذكريات وتذكارات من هذه المهمة الجليلة. وضعها أمام عينيه لتذكره بالانتصار الكبير الذي ساهم في صنعه مع أبناء جيله.


وبمصاحبة الانتصار العسكري، كان التحقق الشخصي. أنجز د. رشاد الشامي رسالة الدكتوراه بعنوان: "التيار الروحي في الصهيونية عند إحاد هاعام". تقصى فيها مدراس الفكر الصهيوني..وقرر منذ هذه اللحظة.أن يوقف جهده العلمي على إثراء المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات عن اليهودية والصهيونية وإسرائيل تمتاز بالفرادة والاعتماد على مراجع عبرية أصيلة مع رؤية علمية ثاقبة. فتجاوزت مؤلفاته الـ 22 كتابا، منها في مجال الديانة اليهودية: " "موسوعة المصطلحات الدينية اليهودية". وفي مجال الأدب العبري: "عجز النصر..دراسة في أدب حرب 1967". ذلك إلى جانب دراسته المتفردة.."الشخصية اليهودية في أدب إحسان عبدالقدوس"..وعمله البحثي ضمن أعداد عالم المعرفة: "الشخصية الإسرائيلية والروح العدوانية". تلك الدراسة التي أعادته لخط المواجهة، من جديد، حين وضعه الموساد على قائمة الاغتيالات التي تستهدف العقول العربية. بسبب خطورة هذه الدراسة التي أزاحت الستار عن الدوافع التي تتنازع الشخصية الإسرائيلية، والتركيبة السيكولوجية للشخصية الجمعية بإسرائيل.
عندما علم د. رشاد بالأمر..لم يفزع..ولم يملأ الدنيا ضجيجا..ولم يحاول الاستفادة إعلاميا بالأمر..بل ظل على عادته إنسانا بسيطا في حياته ومعاملاته مع الآخرين. وتمر أمامي الآن صور عديدة لجولاتنا في أحياء القاهرة الفاطمية. وجلساتنا الودود بوسط القاهرة..نعمل..ونضحك..ونتناقش.
أحببت د. رشاد الشامي وتتلمذت على يديه..قرأت كل كتبـه ومقـالاته، وأشهد أنه تحقيق لوعـد تصورته. أستاذ جامعي مقتدر في مادته، ولديه كفاءة يتسابق طلبته في التعلم منها..ومعارف موسوعية أهلته لوضع كتب ودراسات شكلت علامات طريق في شتى مجالات الدراسات العبرية، حتى صار الأستاذ المرموق والنجم اللامع في سماء الدراسات العبرية بمصر والوطن العربي..قام بالتدريس في مصر والعراق والجزائر والكويت..وفضل البقاء في مصر عله يفيد مثقفيها..ويثري المكتبة العربية بأفكاره وطروحاته المتفردة.
ولعل أهم ما ميز د. رشاد الشامي -من وجهة نظري- روحه الأبوية الخالصة، فكان شديد التواضع، في كبرياء، غير سافر، ويصغي إلى الآخرين دون افتعال أو كذب، يتصدى لحل مشاكلهم دون تردد..مهما كلفه الأمر من عنت. علاوة على أنه أضاف إلى هيبة الاستاذ الجامعي والباحث المرموق قيمة المثقف ورؤيته وقدرته علي الفعل، وتجلت شخصيته حين استطاع أن يحقق لنفسه ذلك التوازن الضروري لمن يريد أن يخاطب العالم والعصر فعلا. وذلك التوازن ـ علي بساطته ـ معضلة بين الباحثين العرب، خاصة في مجال دراسات الصراع العربي- الإسرائيلي المليئة بالضجيج الذي يسحب القارئ بعيدا عن الروح العلمية والمنهجية..لقد حرص الشامي طوال الوقت على الدراسة الرصينة البعيدة عن اللجاج والمهاترات غير العلمية..هكذا كتب رشاد الشامي، وهكذا تكلم وحـاضر وناقش، واستمع إليه الإسرائيليون أنفسهم..وشهدوا لأعماله بالدقة والتعمق والكشف..حتى أنهم سجلوا وناقشوا أكثر من رسالة ماجستير ودكتوراه عن أعماله في نقد العقل الإسرائيلي في جامعة تل أبيب وغيرها..علاوة على كتبه التي يخطفونها من السوق المصرية لقراءتها ودراستها عن كثب..واهتمام كبير واحترام فـائق، حتي وان كانت الكتابة والكلام بالاختلاف.
عندما وصلني نبأ رحيله، ظللت للحظات صامتا في مكاني... لم تصدر عني حركة، حتي الأنفاس أحسستها متجمدة. النبأ وحده أكبر من صمتي... جلست تغمرني وحدة عميقة وشعور بالـكآبـة لا يوصـف، أستعيد لقاءاتي به، في مكتبه بالجامعة، وفي شـقتـه بمصر الجديدة.
قبل رحيله بأسبوعين، اتصل بي علي الهاتف، كان يسأل عن أخباري، عن آخر ما أنجزته في بحثي، حدثته عن تقدم أحرزته، ثم سألته عن أخباره، فقال لي أنه يدعوني لمنزله..وفي غرفة مكتبه..وبين كتبه وأبحاثه..أخبرني أنه يستعـد للقاء ربه، كان يقرأ ويَرتَج قلبه علي اهتزازات حباله الصوتية معها..يعد ثلاثة كتب في الفكر الديني الإسرائيلي للنشر دفعة واحدة..مشروع علمي جديد عكف على إخراجه خمس سنوات..بلا كلل. كتب تحمل دراسات علمية رصينة في "متون التلمود"..ذلك الكتاب الأكثر إبهاما في التاريخ الديني اليهودي..وكتابا يشرح باستفاضة العبادات الدينية اليهودية: الصيام، الصلاة، الختان. وكتابا رابعا عن بدايات الأدب العبري يشكل درة العقد ضمن مشروع واسع عن الأدب العبري الحديث والمعاصر..نشرت منه "الدار الثقافية" للنشر كتابي: "في متاهات الأدب العبري"، و"بياليك أمير الشعراء العبريين".
أوصاني أستاذي..إن لم يمتد به الأجل..بمتابعة نشر الكتب الثلاثة..على أن أستعين بالدكتورة هدى درويش تلميذته وأستاذة مقارنة الأديان بمعهد الزقازيق للدراسات الأسيوية..وكلانا على العهد كنا..وسنبقى إلى يوم يبعثون.
رشاد عبد الله الشامي، أيها الأستاذ والأب والأخ والصديق، هل أقول وداعا؟.. لا، أنت أكبر من الوداع. ومن حسن حظي أنني عشـت في زمن الكبار.... ومن بين هؤلاء الكبار عملاق مصري تعلمت منه كيف أطرح السؤال، وكيف أبقي مخلصا لمن تعلمت منه، علي الرغم من كل ما يحيط بنا من نكسات في عالمنا العربي حتي نكاد نندم علي ما تعلمناه..وما كنت فعلت.د. رشاد الشامي لن أقول وداعا بل أقول سلاما وتحية لك، فالتحية حياة، والتحية هي المحافظة علي وديعتك التي أودعتها لدى كل من لا يزال مؤمنا بأن المقاومة هي كل ما نملك، وبأن الوعي النقدي هو طريق النهوض.
د. رشاد الشامي لا نحسبك من الراحلين عن دنيانا الفانية..ستبقى دوما "الراحل فينا" بعلمك وأبحاثك وسيرتك العطرة..خالدا بوفاء تلامذتك وزملائك..الباقين على العهد..المقيمين شعائر الإخلاص.


مـحـمـد عـبـود
نشرت بجريدة الكرامة
29-10-2006

Labels:

اللجنة المصرية تنعي د. رشاد الشامي



اللجنة المصرية لمناهضة الاستعمار والصهيونيةتنعي للشعب المصري والعربي د . رشاد الشامياللجنة المصرية لمناهضة الاستعمار والصهيونية تنعي للشعب المصري والعربي ولكافة المثقفين عالما جليلا هو الدكتور رشاد عبد الله الشامي ، الذي غيبه الموت في الرابع عشر من أكتوبر الحالي ، عقب إصابته بجلطة في القلب تبعها نزيف في المخ منذ أسبوع أدي إلي سقوطه في غيبوبة كاملة . غادرنا الدكتور الشامي ، الذي يعد أحد أشهر الباحثين المصريين والعرب في قضايا الصهيونية وإسرائيل ، بعد سنوات طويلة من العمل العلمي المتصل والبحوث الرفيعة المستوى في ذلك المجال . من أشهر أعماله " موسوعة المصطلحات الدينية اليهودية " ، ويقع في نحو أربعمائة صفحة . شغل الدكتور رشاد منصب رئيس قسم اللغة العبرية في كلية الآداب بجامعة عين شمس . واللجنة المصرية إذ تنعي هذا العالم الجليل ، تشعر بفداحة فقدانه علميا وإنسانيا ، فقد كان الدكتور رشاد الشامي يدرك تمام الإدراك خطر الصهيونية على مستقبل بلادنا ، وكان ينطلق في كل ما يكتبه من حس وطني عظيم بمصالح مصر وحقها في التطور والإزدهار ، وأن مواجهة الصهيونية يمثل حجر الزاوية في كل عمل وطني . ببالغ الحزن والأسى نودعك ، وعزاؤنا أن النضال ضد الصهيونية سيظل قضية حية ، كما سيظل اسمك مقترنا بمعارك ذلك النضال الكبير .

Labels:

الشامي.. رفيق الخندق والجامعة.. ستبقي الراية بعلمك


مازلت أتذكر المكتب الذي يغلب علي كراسيه وستائره اللون الأخضر والهدوء في فرع اللغة العبرية بكلية الآداب جامعة عين شمس، حيث تقابلنا وتصافحنا لأول مرة عام ١٩٦٤، في ذلك العام انتقلت من مقاعد الطلاب بالقسم إلي مقاعد المعيدين، واستقبلني رشاد الشامي المعيد الذي سبقني بعام واحد في مودة وفي ترحاب عميق..
من يومها وحتي اليوم سجلت رفقة الخندق اليقظ دائما والساهر علي أمن حدود مصر الشرقية من أعدائها التاريخيين اثنين وأربعين عاما، كان هيكل الفرع مختلاً هرماً مكوناً من قمة يجسدها أستاذنا الدكتور محمد القصاص وقاعدة مكونة من أربعة معيدين وبين القمة والقاعدة فراغ، فلا أستاذ مساعداً أو حتي مدرس حاصل علي الدكتوراه حديثا، كانت الآنسة ألفت حفيدة الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي زميلتنا الوحيدة وكان أحمد عفيفي زميل الشامي في التخرج هم كل رفاق الخندق في ذلك العام.. وقعت كارثة الهزيمة بسرعة في يونيو ١٩٦٧ فحولتنا من طلاب علم إلي قذائف مشحونة بالمواد المتفجرة الجاهزة للانطلاق وتفجير نفسها في حصون الأعداء التي شيدت علي حافة قناة السويس.
عبرت مصر عن روحها المتحدية دائما للهيمنة الخارجية وللغزاة، فاندفع إلي فرع اللغة العبرية مئات الشباب طالبين الانضواء في خندق القتال والتزود بذخائر المعرفة اللغوية والعلمية اللازمة لقتال العدو وتحمل جيلنا المسؤولية في إعداد كتائب هؤلاء الشباب المقاتلين الذين سرعان ما انتشروا في جميع فروع الأجهزة والقوات العسكرية لملء فراغ القتال المعرفي والمعلوماتي متنوع الأشكال.
في السادس من أكتوبر، كان كل منا يحمل الدكتوراه في المجال العلمي الذي رأي أنه أقرب إلي نفسه كسلاح قتالي أنجز الشامي الدكتوراه في الفكر الصهيوني ومدارسه وأنجزت الدكتوراه في أدب الحرب الإسرائيلي الكاشف عن ملامح الشخصية الإسرائيلية. قبل أن تغرب شمس أول أيام القتال، كنت مع الجندي المصري المعجون في تراب مصر رشاد الشامي مجتمعين في مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام مع سيد ياسين وقدري حفني تحت رئاسة أستاذنا عالم النفس الكبير د. مصطفي زيور بمبادرة ذاتية من أفراد هذه الفصيلة العلمية المقاتلة، واتفقنا علي مشروع بحث لدراسة المفاهيم الأيديولوجية والسياسية والمشاعر الحاكمة لاتجاهات أسري الحرب الإسرائيليين الذين كانوا يتساقطون بأعداد وفيرة في أيدي قواتنا منذ الساعات الأولي للمعركة.
قام سيد ياسين بدور المنسق بين المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ومركز الأهرام ليمكن هذا الفريق من مقابلة الأسري وبدء الحوار العلمي المطلوب لجمع مادة البحث من خلال الحديث الحر معهم، وكانت التجربة مثمرة إلي حد كبير في تحديد مواقف الأسري، بشرائحهم المختلفة من جنود وضباط من مسألة التوسع في سيناء واعتبارها جزءاً من «أرض إسرائيل» واستطلاع استعدادهم لفكرة السلام العادل والمؤثرات التي تلون هذا الاستعداد بالتمنع أو القبول سواء كانت مؤثرات عسكرية أو سياسية.
لم تكن تلك هي المعركة الظافرة الوحيدة التي خضناها معا كرفاق خندق واحد، بل كانت المعركة الأولي في سلسلة معارك من أجل سلامة أرض مصر وحريتها، ومن أجل استعادة الحقوق الفلسطينية السليبة.
كان الشامي وهو الاسم الذي كنت أناديه به عالماً دؤوباً يكرس أوقاتا طويلة للابحار في المراجع العبرية، ضارباً فيها مجاديف البحث والترجمة، فأنتج للمكتبة العربية مجموعة ضخمة العدد من المؤلفات المعتمدة أساسا علي المصادر الأصلية في اللغة العبرية، وكان الشامي محباً لطلابه وصبورا معهم، يقضي مع الطالب الواحد الذي يشرف علي رسالته للماجستير أو الدكتوراه زمنا طويلا في حنان الأب وصبره علي أبنائه..
علي مدي الرحلة التي مضينا في قاربها معا اثنين وأربعين عاما كانت هناك حالة وحدة فكرية وعاطفية تجمع بيننا علي المستوي الشخصي وعلي المستوي العام علي حد سواء، لم نسمح من خلال صداقة عميقة قائمة علي المصارحة والمسامحة للخلافات - التي لا مفر منها في الحياة الإنسانية - أن تؤثر علي وجودنا المشترك في خندق واحد، كنت في معاركي العامة ألقي من الشامي المساندة بالرأي والدعم المعنوي،
وكنت أضغط بانتظام علي صديقي في محاولة لدفعه إلي الخروج من أسوار الجامعة التي تحصن بها، فلقد كنت أعتقد أن ظهوره في وسائل الإعلام سواء بالكتابة للجمهور الواسع في الصحافة أو بالحوارات التليفزيونية سيثري المعرفة العامة بالإسرائيليات، لكنه كان يفضل حسب طبيعته الشخصية البعد عن المعترك العام وما يحفل به من أشواك.
كان حوارنا حول الثقافات ونشوء الحضارات وتطورها متواصلا، وكان حوارنا حول طبائع الإنسان وشهواته وأطماعه التي لم تختلف كثيرا عن مرحلة النشأة متوافقا، وكان يردد في مناسبات عديدة حكمة وردت في سفر الجامعة تقول «لا جديد تحت الشمس.. الكل باطل.. الكل قبض الريح» غير أن هذا الحس التاريخي العميق بطبيعة الوجود والضعف الإنساني لم يمنع صديقي الشامي من خوض غمار معارك الحياة التي فرضت نفسها عليه.
كانت عنايته الفائقة بابنه أحمد وابنته رشا تثير إعجابي العميق وأذكر أن كثيراً من أوقاتنا الخاصة التي نمضيها معا كانت فترات بينية تفصل بين قيامه بإيصال ابنته إلي درس خصوصي وإعادة ابنه من درس ثم العودة لالتقاط الابنة، كان الشامي نموذجا للأب المصري المليء بالحنان والرعاية اللصيقة ذات الطابع الريفي الحميم لأبنائه.. أعتقد أن هذا النوع من الرعاية قد أثمر..
فعندما استدعاني ابنه أحمد ليفضي لي بحالة الشامي وهو في سرير المرض الأخير وجدت بطلا كامل النضج النفسي في صورة فتي لم يتخرج بعد من الجامعة. كانت عزيمة أحمد الشامي وإيمانه ورعايته لأبيه حاجزا دون تساقط دموعي المتحجرة.يرحمك الله يا رفيق.. فستبقي ما بقي علمك
بقلم د.ابراهيم البحراوي
المصري اليوم

Labels:

موسوعة المصطلحات الدينية اليهودية تحيةً لعملٍ عظيمٍ.


منذ سنوات طالعت موْسوعة وضعها أستاذ مصري عن اليهود واليهودية. وقد وجدتها (سواء في طبعتها الأولى أو طبعاتها التالية في أجزاء كثيرة) كثيرة المخالفة لقواعد البحث العلمي وذات إرتباكات منهجية لا تحصى… وإذا قارنت هذه الموسوعة (مثلاً) بكتابات زالمان شازار عن "نقد العهد القديم" أو "نقد الكتاب المقدس" التي نشرت في ألمانيا منذ ثمانين سنة-فإن كتابات زالمان شازار أرقى بكثير من ناحية المنهج والتجرد عن الهوى الظاهر في الموسوعة التي أشير هنا لها. وقد طالعت في حياتي مئات الكتب عن العبرانيين وتاريخهم والكتاب المقدس وركزت كثيراً على الدراسات التي وضعت عن المصدر الإلوهيمي والمصدر اليهوُوُي لأسفار ما يعرف بالعهد القديم. وجل ما طالعته ونال إعجابي وتقديري كان من أعمال دارسين أوروبيين بإستثناء الدراسات المتعلقة بلفائف البحر الميت (وما كتب عنها بالعربية كان ولا يزال متسماً بسطحية واضحة وكثير من السذاجة) فمعظم هذه الدراسات كانت لأساتذة أمريكيين. وقد إمتدت إهتماماتي لتغطي تاريخ اليهود خلال القرون الثلاثة الأخيرة وبالذات تاريخهم منذ حادثة دريفوس وصدور كتاب هيرتزل (1896) ومؤتمر بازل (1897) ثم تفاصيل ما جرى خلال السنوات الخمسين من 1897 إلى 1947 (تاريخ صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين). كذلك كانت الدراسات التي تتناول إسرائيل منذ 1948 بشتى جوانبها فكانت محل ولعي منذ سنة 1966 والفضل يعود للأستاذ أحمد بهاء الدين ولكتابه (إسرائيليات)-فرغم بساطته فقد شحذ في نفسي الرغبة في أن أعرف (أقصى ما يمكن) عن إسرائيل من سائر الجوانب بما في ذلك الجوانب الأدبية منذ عرفت في سنة 1966 أن جائزة نوبل للآداب (في تلك السنة) ذهبت للشاعر الإسرائيلي "عجنون".
وأنا أميل للمطالعة في هذه المجالات بالإنجليزية لكوني إنساناً لا يطيق مزج "الهوى" و"العواطف" بالعلم والدراسة والفكر-وهو ما يحدث في جل الكتابات العربية عن اليهود واليهودية وإسرائيل-حتى عندما يجيء من أساتذة متخصصين-فإن حيادهم العلمي يكون غائباً أو شبه غائب.
ومنذ أيام طالعت (بشغف لم اشعر بمثله منذ شهور) العمل الممتاز للدكتور رشاد الشامي والذي صدر في 368 صفحة بعنوان (موسوعة المصطلحات الدينية اليهودية) وهو عمل رائع يضاهي (في كونه عملاً أكاديمياً رصيناً) أي عمل عالمي من كبريات الأعمال في هذا المجال. إن هذا العمل الجديد الفذ يطابق كبريات الأعمال العالمية لأساتذة أكاديميين لا يتسلل الهوى لما يكتبون. وأعتقد أننا بحاجة لعشرات الأعمال من تلك النوعية العميقة والقيمة والمطابقة لحذافير البحث العلمي وفقد منهجية سليمة. نحن بحاجة لذلك (ولأشياء أخرى عديدة) إذا كنا نريد أن نتعامل مع إسرائيل بشكل يناسب العصر ويرقى لمستوى التحدي. فإن جل ما يكتب في صحفنا وكتبنا عن هذا الأمر هو "سطحي" و"أرعن" و"مفعم بالعاطفة الهوجاء" و"لا جدوى منه" ومن أقوى آثاره خسراننا أي تعاطف دولي ناهيك عن كونه –ببساطة ووضوح-لا يُفيد إلا إسرائيل. إنني أدعو هواة القراءة الجادة في مصر لمطالعة كتاب الدكتور رشاد الشامي ولا أظن إلاَّ أنهم سيوافقونني بعد ذلك أننا في أمس الحاجة لمائة كتاب من هذه النوعية عن الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية في إسرائيل… عن أحزابها… وهيئاتها السياسية… وصحفها… وجامعاتها… وأدبها… وإنتشار أبناءها في كبريات جامعات العالم وابرز مراكز البحوث على وجه الأرض. نحن بحاجة لذلك أكثر من حاجتنا لإستمرارنا في التصايح بشكل جعلنا نخسر معظم العالم: نخسر إستماعه لنا ناهيك عن تعاطفه أو مساندته أو حتى إحترامه لهذا التصايح.
إنني أؤمن أننا (ثقافياً) مصابون بدائين وبيلين: إننا خارج الزمن… وإننا خارج حقائق العصر… ولا أظن أنه بوسع شيء أن يساعدنا على البرء من هذين السقمين مثل أعمال جادة ورصينة ككتاب (موسوعة المصطلحات الدينية اليهودية) للدكتور رشاد الشامي الذي طالعت كتابه مرتين في أسبوع واحد من فرط تقديري لكافة جوانب تميزه وثراءه.
إن أكبر دليل على صواب زعمي أننا في أمور عديدة بوجه عام وفيما يتعلق بالتحدي الإسرائيلي بوجه خاص "خارج الحقيقة" و"خارج الزمن" هو تماثل آراء كتّابٌ كبار وصحفيين بارزين مع آراء أنصاف المتعلمين وأصحاب الحظ الضعيف من المعرفة والثقافة. ومرجع ذلك لأكثر من سبب من بينها خلو حياتنا الفكرية من أعمال عديدة مثل "موسوعة المصطلحات الدينية اليهودية" ناهيك عن إتسام السواد الأعظم من أبناء وبنات مجتمعنا بعقول ومعرفة محلية في مجملها لأسباب منها فقر المحتوى التعليمي وخوفنا الأسطوري من الآخرين وخرافة غزوهم الثقافي لنا وعدم إمتلاك معظمنا لأدوات تحصيل المعرفة العصرية. التي عندما أستمع لتحليلات من يوصفون بالخبراء الإستراتيجيين أشعر بقلقٍٍ عميق على مستقبلنا: إنهم بسطاء التفكير… بسطاء المحصول المعرفي بشكل يثير الذهول.
وعلى كلٍ: فإن ضبابية الصورة المعرفية في حياتنا غير مطلقة-وإلا ما كان لكتاب مثل (موسوعة المصطلحات الدينية اليهودية) للدكتور رشاد الشامي أن يصدر.
وتقتضي الأمانة الفكرية أن أسلط الضوء على حقيقة أن معظم حملة الأقلام في واقعنا توجد بينهم وبين تيارات العالم المعاصر جدران سميكة عالية سببها الأول هو عدم تمكنهم من اللغات الأجنبية… وهي كارثة: لقد كان جيل طه حسين والعقاد والمازني وشكري ومحمد حسنين هيكل وسلامة موسى ومحمد عوض محمد ومندور يجيد لغة أجنبية واحدة على الأقل إجادة تامة. أما اليوم، فإن أبرز الأسماء في عالم الكتابة تحتاج لمن يترجم لهم جل ما يطالعونه من أعمال بغير العربية-وهي كارثة ثقافية لأن معظم ما ينبغي قراءته عن العالم اليوم وتياراته غير متوفر بالعربية-ناهيك عن أن عدم إتقان لغة أجنبية يعني أشياءً أخرى لا تخفى عن فطنة أحد.
المفكر المصري
طارق حجي

Labels:

رحيل الدكتور المفكر رشاد عبد الله الشامي

فارس تَرَجََّل: رحيل الدكتور المفكر رشاد عبد الله الشامي

قبل عشرة تقريباً، وفي يوم السبت الرابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر، توقف قلب الباحث والأكاديمي والمقاتل على جبهة الصراع الفكري مع اليهودية / الصهيونية، الدكتور رشاد الشامي بعد معاناته مع الأزمة القلبية المفاجئة، التي رافقها نزيف حاد، أدى لدخوله في غيبوبة كاملة لأيام معدودة.
في الخامس من يناير عام 1943 ولد فقيدنا بمحافظة "كفر الشيخ" المصرية، لأسرة فلاحية متوسطة الحال، وتخرج من جامعة "عين شمس"، وحصل على الدكتوراة عام 1973، ليتفرغ إلى عمله البحثي والأكاديمي داخل الجامعة التي عمل بها مدرساً، ورئيساً لقسم اللغة العبرية في كلية الآداب. كما عاش الراحل الكبير بضع سنوات من عمره مدرساً وباحثاً في بعض الجامعات العربية (العراق، الجزائر، الكويت).
لقد بدأ الدكتور الشامي رحلته العلمية / البحثية في سن مبكرة، حين بدأ بنشر مقالاته عن الصهيونية والسياسة "الإسرائيلية" على صفحات مجلة السياسة الدولية منذ عام 1969، ليبدأ على الفور بتأسيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام عام 1969 مع الدكتور "عبد الوهاب المسيري" والدكتور "أسامة الباز"..
لقائي بأفكار الفقيد بدأت في حزيران عام 1994، حينما قرأت له كتابه الهام "القوى الدينية في إسرائيل ... بين تكفير الدولة ولعبة السياسة" الصادر عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية، والذي تجاوز عدد النسخ المباعة منه مائة وعشرون ألف نسخة، ومن ثم كتابه الآخر الصادر عن السلسلة ذاتها في آب/ أغسطس 1996 بعنوان "إشكالية الهوية في إسرائيل". لقد ساهم الفقيد بإرساء أسس الدراسات المختصة بالأفكار اليهودية/ الصهيونية، وأشرف على مئات الرسائل الجامعية المتخصصة، كما رفد المكتبة العربية بأكثر من عشرين كتاباً/ مرجعياً مطبوعاً _ يتشارك بهذا المجال المتخصص مع الدكتور المفكر "عبد الوهاب المسيري" _ عدا أربعة تحت الطبع، أذكر بعضاً منها:
* إنشاء وتطوير سلاح الطيران الإسرائيلي . * جولة في الدين والتقاليد اليهودية .
* الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية. * عجز النصر/الأدب الإسرائيلي وحرب 67
* الوصايا العشر في اليهودية / دراسة في المسيحية والإسلام. * الحروب والدين.
بالإضافة إلى عمله الكبير "موسوعة المصطلحات الدينية اليهودية".
رحل باحثنا الفذ بهدوء وصمت، كما عاش! كان بعيداً عن الكاميرات والاضاءات "الشكلية" ولم يلق أي تكريم رسمي أو شعبي في حياته، بل أن بعض المقربين منه أكدوا أنه كان يعاني من مشاعر الإحباط لأسباب كثيرة، أهمها غياب الدعم الحكومي للبحث العلمي.
لقد كان للفقيد رؤية واضحة في تحليله لموضوع الثقافة "الإسرائيلية" التي عبر عنها بقوله (إن الثقافة "الإسرائيلية" غير مؤهلة لصنع سلام حقيقي لأنها تقوم على مفاهيم دينية عنصرية، تعتبر الآخرين دون الآدميين، فكيف لهذه السموم أن تصنع سلاماً؟؟) لقد فضح فقيدنا في كل كتاباته، طبيعة المشروع الصهيوني، وبيّن أن الصراع ضده معركة ضرورية ليس من أجل الحاضر فقط، بل ومن أجل المستقبل.
حاولت جاهداً متابعة خبر رحيل "المقاتل / الشهيد" عسى أن أعثر على مايفيدني بالكتابة عنه كوفاء لهذا الفقيد الكبير، وكتعريف به لدى جمهور القراء. وبعد جهد كبير، وجدت فيما كتبه الأستاذ "أحمد الخميسي" ما ساعدني على ذلك.
لعائلته وأصدقائه وطلابه ورفاق دربه العزاء، وكل العهد له على أن تبقى أفكاره منارة لنا، نهتدي بها في صراعنا مع الحركة الصهيونية.محمد العبدالله- كاتب فلسطيني تاريخ الماده:- 2006-10-23

Labels:

Monday, October 30, 2006

د . رشاد الشامي .. رحيل عالم كبير



أحمد الخميسي : د . رشاد الشامي .. رحيل عالم كبير
التاريخ: الثلاثاء 24 أكتوبر 2006الموضوع: مقالات

فارقنا الدكتور رشاد الشامي رئيس قسم اللغة العبرية بكلية الآداب جامعة عين شمس في صمت كعادة العلماء . في عدد سابق من أخبار الأدب جاءت تغطية لندوة شارك فيها د . الشامي قبل أسبوع ، وتحدث فيها عن غياب المعايير الموضوعية في تصنيف الرسائل الجامعية العلمية . جاء رحيله يوم السبت 14 أكتوبر ، عقب إصابته بجلطة في القلب تبعها نزيف حاد أدى لغيبوبة تامة . لم ألتق به شخصيا ، لا في ندوة ، ولا في مكان عام ، لكنني حسبته ضمن أصدقائي المقربين الذين أحتفظ بهم بداخلي من دون أن ألتقي بهم . الدكتور الشامي بدأ رحلته العلمية مبكرا ، حين توالت مقالاته منذ عام 1968 عن الصهيونية والسياسة الإسرائيلية في مجلة السياسة الدولية ،
ثم شارك بعد ذلك في تأسيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام عام 1969 مع الدكتور عبد الوهاب المسيري ود . أسامة الباز . وامتد نشاطه على مدى أكثر من ثلاثين عاما من دون توقف ليغطي القضية ذاتها من مختلف جوانبها السياسية والثقافية ، وله دراسة نادرة عن " الشخصية اليهودية في أدب إحسان عبد القدوس" عام 1992 ، أكد فيها مرة أخرى أن الظاهرة الصهيونية ظاهرة متشابكة ذات أبعاد مختلفة ينبغي دراستها في مختلف حالاتها . شغل منصب رئيس قسم اللغة العبرية بجامعة عين شمس على فترات متباعدة ، أشرف خلالها على تخريج أساتذة من الدارسين في المجال ذاته من أبرزهم د . أحمد حماد ، ود . محمد عبود ، وغيرهما . ويؤكد الجميع أن له فضلا كبيرا على كل دارسي الأدب العبري في مصر وغيرها . ورغم أن الدكتور رشاد الشامي أمد المكتبة العربية بأكثر من 22 عملا مرجعيا في مجال جديد ، لا يعمل فيه سواه مع الدكتور المسيري، إلا أنه لم يلق أي تكريم رسمي ، ولا شعبي في حياته ، ولم يكن يوما نجما من نجوم المجالس الثقافية ، لأنه تخير البحث والعمل على قضية شائكة لا تعد ضمن القضايا المهذبة التي تفضلها المجالس لكونها قضايا لا تخدش الفكر والواقع . ويؤكد المقربون من الدكتور رشاد الشامي أنه كان يعاني من مشاعر الإحباط لأسباب كثيرة منها غياب الدعم الحكومي للبحث العلمي وأنه كان يعزي نفسه فقط بطلبته المنتشرين في العالم العربي ، حيث قام بتعليمهم في جامعات الجزائر والكويت والعراق . ولم تكن له سوى عبارة واحدة يكررها للمقربين منه : " امنحوا الجيل الجديد فرصة للتعبير عن نفسه " . ولد الدكتور رشاد الشامي في 5 يناير 1943 بمحافظة كفر الشيخ ، في أسرة فلاحية متوسطة الحال ، وتخرج من جامعة عين شمس ، وحصل على الدكتوراه عام 1973 ، وعكف على عمله بهدوء بعيدا عن الضجة والصحف إلي أن خرج على المعاش منذ أربعة أعوام دون أن يتوقف عن العطاء . من أعمال الدكتور الشامي التي تجاوزت 22 عملا مطبوعا عدا أربعة تحت الطبع كتاب:" لمحات من الأدب العبري " عام 1978،وكتاب آخر بالغ الأهمية هو : " الفلسطينيون والاحساس الزائف بالذنب في الأدب الإسرائيلي " عام 1988 ، وكتاب " القوى الدينية في إسرائيل " عام 94 وقد نشرته سلسلة عالم المعرفة وتجاوز عدد النسخ المباعة منه مائة وعشرون ألف نسخة ، ثم " الحروب والدين " 1998، وعمله الكبير " موسوعة المصطلحات الدينية اليهودية " عام 1999، وكتاب " الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية " صدر عن دار الهلال أواخر 2002 ، ثم " تفكيك الصهيونية في الأدب الإسرائيلي " 2003 . وكانت له في موضوع الثقافة الإسرائيلية نظرة واضحة عبر عنها بقوله : " إن الثقافة الإسرائيلية غير مؤهلة لصنع سلام حقيقي لأنها تقوم على مفاهيم دينية عنصرية تعتبر الآخرين دون الآدميين ، فكيف يمكن لهذه السموم أن تصنع سلاما ؟ " . وكان الراحل الكبير ينطلق في كل ما يبذله من جهد ، وكل ما يكتبه من حقيقة عداء الصهيونية الأصيل كمشروع استعماري للعرب ، وأن الصراع ضدها معركة لابد أن نخوضها من أجل المستقبل . وفي كتابه " الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية " يتوقف د . رشاد الشامي أمام الدوافع العدوانية في تلك الشخصية التي شكلتها عوامل عدة منها الاسترشاد المستمر بالروح العدوانية في التراث الديني اليهودي ، والروح العدوانية في الفكر والممارسة الصهيونية ، وعسكرة المجتمع الإسرائيلي واتخاذه القسوة نموذجا ، ثم – وهو الأهم – الطابع الاستعماري لتلك الدولة ودورها في خدمة المصالح الأمريكية . وبينما شغل الكثيرون أنفسهم بقضايا عديدة فرعية ، جعل د . رشاد الشامي حياته كلها وقفا على مكافحة الصهيونية بدراستها وتعريتها وتمكين القارئ من جوهرها باعتبارها قضية مركزية ، ثم رحل في صمت ، كعادة العلماء ، تاركا لمن تعلموا على يديه مواصلة الطريق .
***أحمد الخميسي . كاتب مصري
نشر المقال بمجلة أخبار الأدب
22-10-2006

Labels:

Sunday, October 15, 2006

الخليلي الشاب المصري الذي هزم إسرائيل

..أشرف على شبكات التجسس وخلايا الفدائيين في العريش
..تلقى توجيهات القاهرة عبر إذاعة صوت العرب
..أرسل المعلومات في أظرف مكتوب عليها: يسلم إلى الشيخ عبد الحميد
أبوعمير مسئول الشاباك بسيناء عاش مرعوبا من المخابرات المصرية
فور اندلاع الحرب..سيل من الرسائل المشفرة لللقاهرة بتحركات الجيش الإسرائيلي



في مساء اليوم الثاني لحرب أكتوبر، وبينما كان الجنود الصهاينة يقاتلون في محاولة يائسة لصد الجيش المصري المندفع نحو سيناء ببسالة منقطعة النظير، التقطت وحدة التنصت التابعة للاستخبارات العسكرية سيلا من رسائل "موريس" المشفرة، وتبين أنها تبث من العريش شمال سيناء. هذه الحقيقة استنفرت عناصر الإستخبارات "الإسرائيلية"، لكون الموقع يتيح متابعة الإمدادات التي يدفع بها جيش الاحتلال عن طريق شارع الشاطئ للجنود المستنزفين في عمق سيناء والمعاقل التي أقيمت قرب قناة السويس.

..حــرب عـقـول
وأدركت إسرائيل أن "جاسوساً" يقف وراء إشارات موريس، ويرسل من خلالها التقارير لمصر في الوقت المناسب حول استعدادات الجيش الإسرائيلي لمواصلة الحرب، الأمر الذي يمكن من شل محاور الإمدادات الحيوية. وهنا بدأت معركة "أدمغة" بين شعبة الإستخبارات في الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك) من جهة، وبين استخبارات الجيش المصري.هذه القصة حافظ عليها سراً ضابط الشاباك، "يهودا ليهود"، مدة 33 عاماً...حتى كشفتها صحيفة يديعوت أحرونوت الأسبوع الماضي في ذكرى حرب أكتوبر..محرر الشئون العسكرية "رون بن يشاي" تناول تفاصيل تنشر للمرة الأولى حول نشاط "عبد الحميد الخليلي" أحد سكان مدينة العريش، في مقاومة الإحتلال الإسرائيلي، ، وذلك من خلال عمله مع الإستخبارات المصرية.
ويحاول "بن يشاي" الدفاع عن رواية الشاباك للقصة، بزعم أنها "خديعة ساعدت "الجيش الإسرائيلي" في الحرب"، رغم أنه يقر بفشل الإستخبارات الإسرائيلية في تجنيد الخليلي لصالحها، ويؤكد أن الأخير كان "عميلاً مزودجاً"، إلا أن عمله كان لصالح وطنه مصر، رافضاً للعروض الإسرائيلية والإغراءات المالية للإحتلال.


ضابط الشاباك ليهودا يهود..أبوعمير
بدأ الضابط "يهودا ليهود" عمله في الشاباك في قطاع غزة، حيث اعتاد رجال المقاومة الفلسطينية إلقاء القنابل اليدوية على السيارات الإسرائيلية. وأطلقت يد "الشاباك" في القطاع لوقف تهريب القنابل من سيناء إلى غزة. وحقق "ليهود" نجاحا في عمله..فتقرر نقله عام 1972 إلى العريش بعد هدوء ساد قطاع غزة.وفي تلك السنة ظهرت في العريش منشورات موقعة بإسم "أبناء سيناء الأحرار"( الإسم مترجم عن العبرية)، تدعو السكان إلى مقاومة الإحتلال الإسرائيلي.
تقع العريش على مفترق طرق حيوي يربط بين شمال ووسط سيناء. وأهم هذه الطرق..شارع الشاطئ الذي يربط بين غزة وقناة السويس ومن هناك إلى القاهرة. وعن طريق هذا الشارع، وخط السككالحديدية الموازي له، كان الجيش الإسرائيلي ينقل إمداداته صوب ضفة القناة. وهو نفس المسار الذي خطط الجيش لنقل قوات بواسطته إلى القناة في حالة نشوب حرب. وفي ذلك الوقت كان يعيش في العريش نحو30 ألف نسمة، غالبيتهم مصريون، وعدد قليل من الفلسطينيين. وكان من بينهم آلاف الموظفين المصريين الذين تلقوا رواتب مزدوجة، سواء من الحكم العسكري الإسرائيلي أو من مصر التي واصلت دفع رواتبهم حتى بعد احتلال سيناء عام 1967. وخططت سلطات الاحتلال لتجنيد عشرات من سكان العريش للتعاون مع تل أبيب.
وبدأ الضابط "ليهود" وشهرته "أبو عمير" باستدعاء الموظفين إلى مكتبه، ليتحدث معهم طويلاً عن حياتهم وعملهم وأقاربهم في مصر. وبعد أشهر معدودة بدأت جهوده تثمر عن نتائج، مما أتاح للشاباك والجيش البدء بحملة لملاحقة "أبناء سيناء الأحرار".
وأدى اعتقال مدرس مصري، قام بصياغة منشورات "أبناء سيناء الأحرار"، إلى القضاء على التنظيم. وتم اعتقال عدد كبير من كبار المسؤولين في التنظيم، والذين كانوا يتلقون التوجيهات من الإستخبارات العسكرية المصرية، في حين هرب بعضهم إلى داخل مصر.بعد أن خسرت الإستخبارات المصرية هذه الجولة، في الموقع الأهم في سيناء، بدأت بتفعيل عملاء وبناء شبكات إستخبارية جديدة في سيناء تحت إشراف الشعبة الخاصة المسماة بـ"المكتب الخاص". وكان المسؤول عن منطقة العريش في الإستخبارات المصرية أحمد اليماني ومحمد سليمان.
يقع الذراع المتقدم للمكتب الخاص في القنطرة. وفي هذه المدينة كان المعبر الخاص الذي يتنقل من خلاله السكان من سيناء إلى مصر والعكس. وفي حينه عمل الصليب الأحمر على منح التصاريح بالتنسيق مع السلطات المصرية والإسرائيلية. وقام عناصر المكتب الخاص بالتحقيق مع كل من يدخل من سيناء أو يعود إليها. وكان ليهود أيضاً يقوم باستدعاء جميع العائدين من مصر إلى مكتبه للتحقيق معهم.
وفي يونيو 1972 علم أنه مستهدف من قبل المخابرات المصرية. حيث تبين له أن المحققين المصريين في القنطرة والقاهرة طلبوا المزيد من المعلومات عن "أبو عمير": أين يسكن وأين يأكل وأين يشرب القهوة وكيف يحدد اللقاءات وبماذا يهتم عندما يتحدث مع سكان العريش. الأمر الذي أفرزعه بشدة..ودفعه إلى اتخاذ جانب الحذر، فدأب على تغيير سيارته في أوقات متقاربة، وكان يسافر بسيارات تحمل لوحة مصرية، ويعقد لقاءاته بصحبة الحراس.
وقبل الحرب بسنة ونصف، لاحظ ليهود أن نشاط المخابرات المصرية في سيناء في تصاعد مستمر. وفي حديثه مع "مصادره" تبين له أن المصريين ليسوا على استعداد لتقبل خسارة سيناء، وأنهم يبحثون عن طريقة للرد على هزيمة 67. وأن الشبكات التي أنشأتها الإستخبارات المصرية قادرة على تنفيذ عمليات، وتعريض عملية الإمداد للخطر أثناء الحرب.
وقرر ليهود كشف خطط المخابرات المصرية، عن طريق أحد مصادره الإستخبارية، "سعد جلبانة"، الذي كان بإمكانه أن يقوده إلى رئيس "المكتب الخاص" في القاهرة. جلبانة من سكان العريش وكان مقربا من سالم اليماني شقيق أحمد اليماني. وفي المقابل وصلت ليهود معلومات عن عبد الحميد عبد الله الخليلي، صديق جلبانة وأحد القوميين الناشطين في العريش. علاوة على ذلك، كان الخليلي قريباً لعائلة أحد أعضاء مجلس الشعب المصري، وقريباً لأحد كبار المسؤولين في المخابرات العامة في القاهرة.

سعد جلبانة ..
يقول ليهود إنه بعد أن أجرى ثلاثة جولات من "المحادثات" في مكتبه مع الخليلي، تبين له أن الأخير على استعداد للتعاون، وأنه بإمكانه أن يكون أكثر من مجرد "مصدر"، حيث كان يتصف بـ"الشخصية القوية والقيادية، والاستيعاب السريع وحبه للمال".
وألقى ليهود عدداً من المهمات على الخليلي، كاختبار له، ولما اجتاز الإختبار قرر وقف لقاءاته العلنية معه، وتحويلها إلى سرية. وفي تقارير ليهود منح الخليلي الرقم 649، في حين منح سعد جلبانة الرقم 648. وبدأت اللقاءات معهما بسرية تامة. وفي كل مرة أراد لقاء أحدهما، كان يكتب عددين على شكل "كسر رياضي"، بحيث يكون "البسط" (العدد العلوي) تاريخ اللقاء، في حين يمثل "المقام" (العدد السفلي) ساعة اللقاء. وفي يونيو 1972، قرر ليهود أن 648، و649 مؤهلان لتنفيذ المهمة الخطيرة، وهي اختراق الشعبة الخاصة للمخابرات العسكرية في القاهرة بهدف معرفة ما إذا كان المصريون يخططون للحرب. وكان ليهود يدرك أن هذه المسألة ليست من ضمن اختصاصه، فتفعيل العملاء في الدول المجاورة مسئولية المخابرات العسكرية (أمان) والمخابرات الخارجية (موساد). وقرر عرض خطته على رؤسائه..وفكرتها الرئيسيةأن: يذهب الخليلي وجلبانة لزيارة أقاربهما، وتكون مهمتهما الحقيقية التجند ضمن "المكتب الخاص". واعتقد أن صداقة جلبانة مع شقيق اليماني، والعلاقة العائلية للخليلي مع عضو مجلس الشعب، وضابط المخابرات المصرية، كل ذلك سيؤدي إلى قيام الشعبة الخاصة للمخابرات بتوكيلهما بـ"التجسس" في العريش.
وبحسب ليهود، ففي حال ابتلع المصريون الطعم، سيقوم اليماني بتأهيلهما كعملاء ويزودهما بجهاز اتصال. وعندما يعودا إلى العريش سوف يرويان للشاباك طرق عمل وأهداف المخابرات المصرية في سيناء، وسيقومان بتسليم الشاباك جهاز الإتصال، وطرق التشفير وقائمة العملاء في سيناء الذي يفترض أن يقوما بالاتصال بهم.
وعندما ادعى المسؤول عن ليهود أنه لا يمكن معرفة حقيقة نوايا الخليلي وجلبانة، وأنه من الممكن أن يعملا لصالح المخابرات المصرية، قال ليهود أن شبكة العملاء التي نشرها في العريش ستتيح له مراقبتهما عن كثب والتأكد من عدم تضليلهما للشاباك.ووافق الموساد والمخابرات الحربية (أمان) على الخطة بثلاثة شروط، أولها أن يقوم واحد فقط من الإثنين بزيارة القاهرة، خشية أن يقوم الثاني بالتبليغ عنه، وثانيها أن يقوم ليهود بترتيب عملية مراقبة متواصلة للعميل بعد عودته من القاهرة، والشرط الثالث هو إشراك الوحدة 154 التابعة للمخابرات العسكرية في العملية.
ووقع اختيار ليهود على الخليلي (649). وكان على قناعة بأن المخابرات المصرية سوف تنتبه إلى شخصيته القيادية، وأن نشاطه القومي السابق سيجعله المثالي في نظرهم لإقامة شبكة استخبارات في سيناء. إلا أنه لم يكن من السهل إقناع 649 بقبول المهمة التي ستعرض حياته للخطر. إلا أنه وافق أخيراً، ومنح لقب "منمن" (وهو اختصار لثلاث كلمات عبرية يعني"استخبارات ضد استخبارات"). وفي الثالث من يناير 1973، قبل 10 شهور من الحرب، قدم الخليلي طلباً للصليب الأحمر لزيارة القاهرة، وتقرر أن تكون مدة الزيارة شهرين.
مر شهران على سفر "منمن" ولم يجر أي اتصال مع مشغليه. وأبلغ جلبانة، الذي كان على علم بالمهمة، ليهود بأن الخليلي اتصل بزوجته وأبلغها أن الصليب الأحمر لم يصادق على عبوره القناة عائداً إلى العريش. وعلى الفور قام ليهود بفحص الموضوع وتبين أن "منمن" لم يقدم أي طلب للصليب الأحمر للعودة إلى العريش، الأمر الذي دفعه إلى الإعتقاد بأن العقيد اليماني بلع الطعم ويقوم بتدريب "منمن" كعميل للمخابرات المصرية. وفي نهاية يونيو، أي بعد ستة شهور، عبر "منمن" القناة عائداً إلى العريش. وقص على ليهود أنه أقام في البداية مع شقيقه في بورسعيد، وسافر من هناك عدة مرات إلى القاهرة، ليقابل عدداً من أصدقائه، ومن بينهم عضو مجلس الشعب وضابط الإستخبارات. وبعد أسبوعين تم استدعاؤه إلى مقابلة في القاهرة مع أحمد إبراهيم من "المكتب الخاص". وبعد عدة أيام استدعي للقاء آخر، ولكن هذه المرة مع أحمد اليماني في مكتبه.
وروى الخليلي لليماني أن "أبو عمير" استدعاه عدة مرات للتحقيق معه بسبب نشاطه في العريش، إلا أنه تركه وشأنه في النهاية. وبعد أربعة شهور من وصول "منمن" إلى مصر، عرضت عليه الإستخبارات المصرية العمل معها في منطقة العريش، تماماً مثلما توقع ليهود. وطلب منه تنظيم شبكة من المراقبين لرصد تحركات الجيش الإسرائيلي في شمال ووسط سيناء. كما طلب منه نقل المعلومات عن طريق عناصر من الصليب الأحمر، أو عن طريق مسافرين من العريش إلى القاهرة. وعلى كل مغلف (معلومات) كان عليه أن يكتب "يسلم إلى الشيخ عبد الحميد".

الخليلي يغلق جهاز شفرة موريس

وعندما سأله ليهود إذا ما كان قد حصل على جهاز اتصال، أجاب "منمن" بالنفي. وقال إنه خضع لتدريبات أساسية فقط، مثل الرصد وتشخيص الوحدات الإسرائيلية وأنواع المركبات والدبابات والمدافع والصواريخ. وبحسب الخليلي (منمن) فقد قيل له إنه سيتم استدعاؤه مرة أخرى لتلقي تدريبات وأموال ومهمات أخرى بعد أن يكتسب الخبرة اللازمة في المراحل الأولى. وعندما سئل الخليلي لماذا تأخر طيلة هذه الفترة، أجاب أن التأخير حصل بسبب الصليب الأحمر.
لم يقتنع ليهود ومحقق أخر من الوحدة 154 بأقوال الخليلي. فقد كانوا يعرفون أن الإستخبارات المصرية تتلقى التقارير بشكل منتظم حول تحركات الجيش الإسرائيلي من بدو سيناء، وأنه من غير المعقول أن يتم تدريب إنسان لمدة شهور فقط من أجل القيام بعمليات رصد عادية. هذه الفرضية جعلتهم يتوصلون إلى نتيجة قاطعة وهي أن "منمن" لم يقل الحقيقة كاملة حول المهمة التي ألقيت على عاتقه من قبل المصريين.
وبحسب ليهود فقد تيقن من فرضيته، وقرر هو وزميله من الوحدة 154 التظاهر بأنهما صدقا أقوال الخليلي، وفي الوقت نفسه قررا مراقبة تحركاته بعدة وسائل، من بينها أجهزة التنصت التي زرعت في بيته في غيابه!
كان ليهود على قناعة بأن الإستخبارات المصرية زودت الخليلي بجهاز اتصال، وصمم على الحصول على الجهاز من أجل استخدامه لتزويد المصريين بمعلومات خاطئة، إلا أنه كان بحاجة إلى تعاون الخليلي الذي كان يعرف رموز الجهاز من أجل تشغيله. بيد أن الخليلي بدأ يتهرب من مقابلة ليهود. وفي النهاية اجتمع به في الـ 23 من أغسطس، وقال له إن المخابرات المصرية طلبت منه صوراً لمطار العريش وقاعدة وحدة التسلح القريبة من العريش، ومنشآت المياه التابعة لشركة "مكوروت" التي تزود المياه لمنطقة القناة. وأعترف الخليلي بأنه قام بتنفيذ المهمة حتى لا يكون عرضة لشكوك المخابرات المصرية.
وقرر ليهود ممارسة الضغط النفسي على الخليلي، فاستدعاه إلى مقر الحكم العسكري في العريش في الـ5 من سبتمبر، قبل شهر من الحرب. ولدى وصوله كان في انتظاره طاقم من أمهر المحققين في شعبة التحقيقات التابعة للشاباك. وبحسب ليهود فقد كان الخليلي خائفاً مرتجفاً، وتحدث بهمس وتصبب عرقاً، إلا أنه لم ينكسر، ولم يبلغ المحققين سوى بالمعلومات التي كانوا على علم بها، بل إنه أنكر أن يكون قد قام بالتقاط الصور، وعلل اعترافه السابق برغبته في التخلص من الضغط الذي مارسه عليه ليهود!
وعندها قرر المحققون إخضاعه لجهاز "كشف الكذب"، إلا أن الموعد تقرر في الـ8 من نوفمبر، حيث لم يجد المحققون أن الأمر عاجل. ذلك في الوقت الذي كان المصريون يجرون سراً الاستعدادات الأخيرة لعبور القناة. ويحاول "ليهود" تبرير فشله بإدعاء أنه: "في اللحظة "المصيرية" التي كان بإمكانه الضغط على الخليلي واستخدامه للكشف عن المخططات المصرية، طلبوا منه السفر في مهمة عاجلة لمرافقة مجموعة من الرياضيين لأوروبا، بدلاً من أن يلاحق الخليلي "العميل المزدوج" في العريش.. لكن "ليهود" يعود..ويذكر أنه عاد "لإسرائيل" في الـ25 من سبتمبر، وبعد أحد عشر يوماً اندلعت الحرب..
في اليوم الثاني لنشوب الحرب (8 أكتوبر) بدأ عبدالحميد الخليلي ينفذ المتفق عليه مع المكتب الخاص، فقد انفجرت عبوة ناسفة تحت أحد الكباري بمدينة العريش، كما انفجرت عبوة أخرى أدت إلى سقوط عامود الكهرباء. وفي مساء اليوم نفسه التقطت الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية إشارات "مورس" مشفرة تبث من العريش.وبشكل مثير للاستغراب ويشكك هنا في مدى الصدقية، يقول ليهود إنه اتفق مع عناصر الوحدة 154 على السماح للخليلي بمواصلة بث التقارير الإستخبارية إلى القاهرة، (حتى في ظروف الحرب وخاصة مع عبور الجيش المصري لقناة السويس!!) إلى حين يتاح استخدامه لنقل تقارير مضللة...
ويتابع أنه في الـ10 من أوكتوبر بدأت تهبط في إسرائيل الطائرات الأمريكية التي تنقل العتاد والدبابات والأسلحة. وفي 14 من الشهر نفسه، بحسب ليهود، لجأ الجيش الإسرائيلي إلى التظاهر بأنه يدفع بقوات كبيرة إلى جبهة القتال، تمر عن طريق العريش، من أجل إيصال هذه المعلومات إلى مصر عن طريق الخليلي.
هذه المسألة تضاعف الشكوك في مدى دقة رواية ليهود هنا، خاصة وأن نقل مثل هذه المعلومات يخلق حالة من الاستنفار على الجبهة المصرية، وليس العكس، وبالتالي لا يوجد أي مصلحة "عسكرية إسرائيلية" في نقل مثل هذه المعلومات. والأرجح أن عرض الرواية بهذا السياق يأتي بهدف التغطية على الإخفاق الذريع الذي مني جهاز (الشاباك)، وفشله في دفع الخليلي إلى خيانة وطنه مصر.
في نهاية الحرب تفرغ ليهود لملاحقة الخليلي الذي "خانه" والحصول على جهاز الإتصال والقبض على الشبكة التي نفذت العمليات في اليوم الثاني من الحرب في العريش. فقام باستدعائه إلى مكتبه، إلا أن الخليلي لم يأت. ولم يبادر ليهود إلى تنفيذ عملية اعتقال خشية أن يهرب، فانتظر عدة أيام أخرى، إلى أن قدم الخليلي بنفسه في 8 نوفمبر، وعلى الفور تم اعتقاله وتحويله إلى التحقيق.
في التحقيق أكد الخليلي للمحققين أنه عندما سافر إلى مصر قرر ألا يخون وطنه. وأنه قد تم تجنيده بالفعل للعمل مع المخابرات المصرية، وألقيت عليه عدة مهام لتنفيذها في العريش، من بينها تنظيم شبكات إستخبارية وأخرى لتنفيذ عمليات. كما خضع لتدريب يومي في القاهرة لمدة 5 شهور. وفضلاً عن عمليات الرصد، فقد تم تدريبه على صنع العبوات الناسفة، وطرق جمع المعلومات دون إثارة الشبهات. وتعلم تشفير وبث التقارير بواسطة إشارات "موريس" عن طريق جهاز إرسال صغير. كما تم الإتفاق معه على تلقيالتوجيهات من القاهرة بواسطة إذاعة "صوت العرب" في إطار برنامج سلامات وأغان إلى "عبد الهادي من العريش المحتلة". كما تبين أنه جرى نقل جهاز الإتصال ووسائل قتالية ومبالغ مالية لتمويل عمل الخلايا إلى الخليلي بعد عودته من القاهرة عن طريق صيادي الأسماك من بدو سيناء.
وفي أعقاب اعتقال الخليلي تم اعتقال 27 آخرين من أعضاء الشبكة، كان من بينهم سعد جلبانة. إلا أنه تم الإفراج عن غالبيتهم بعد بضعة شهور نظراً لعدم كفاية الأدلة، أو لعدم توفر أدلة تكفي للحكم عليهم سنوات طويلة. أما الخليلي وجلبانة فقد أعدت لوائح اتهام خطيرة ومفصلة ضدهما، بيد أنه تم الإفراج عنهما في عملية تبادل أسرى بعد الحرب، وعادا إلى مصر. ومن المرجح أنهما يعيشان اليوم في العريش
أحمد أبوحسين
مدير موقع عرب 48
نشرت بالكرامة 15-10-2006

Labels:

Tuesday, October 10, 2006

قصة ابن العريش الذي خدع ثعالب الموساد





لم يكن رافت الهجان وحده الجاسوس المصري الوحيد الذي اخترق اسرائيل من الداخل اثناء حرب اكتوبر 73، فقد كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن جاسوس مصري توهم جهازا المخابرات الداخلية (شاباك) والمخابرات العام (الموساد) نجاحهما في تجنيده، قبل أن يوضح التقرير الذي نشره الصحفي الاسرائيلي المختص بالشئون الأمنية رون بن يشاي، أن عبد الحميد الخليلي، كان مخلصا في عمله مع جهاز المخابرات العامة في مصر، بعد نشاط واضح في مقاومة الإحتلال الإسرائيلي في سيناء وتناول بن يشاي تفاصيل تنشر للمرة الأولى في الإعلام الإسرائيلي، حول نشاط سكان العريش في المقاومة، ومنظمة أبناء سيناء الأحرار، وحاول من خلال "التقرير المفاجاة" ان يقف إلى جانب جهاز الشاباك في الدفاع عن روايته للقصة، بزعم أن قصة تجنيد الخليلي كانت "خديعة ساعدت الجيش الإسرائيلي في الحرب"، لكن بن يشاي يقر في التقرير نفسه بفشل الإستخبارات الإسرائيلية في تجنيد الخليلي لصالحها، ويؤكد أن الأخير كان "عميل زرعته المخابرات المصرية في صفوفهم،وكان عمله لصالح وطنه مصر، رافضاً العروض الإسرائيلية والإغراءات المالية التي قدمها له الاحتلال. ويوضح التقرير أن الخليلي ابن عائلة مصرية مرموقة تضم سياسيين وضابط بالمخابرات العامة. وقد دربته المخابرات المصرية على استخدام شفرة موريس..وتمكن من تزويد القوات المسلحة بمعلومات ميدانية في غاية الخطورة عن تحركات الجيش الإسرائيلي أثناء المعارك التي دارت عقب اندلاع حرب أكتوبر. وفي العدد المقبل نروي تفاصيل قصة العميل المصري الذي خدع الشاباك والموساد وثعالب المخابرات الاسرائيلية.
أحمد أبو حسين
جريدة الكرامة
7-10-2006

Labels:

!!رئيس الموساد يملأ جدران مكتبه بهدايا الحكام العرب




قالت صحيفة يديعوت احرونوت العبرية ان رئيس الموساد مئير داجان يفتخر أمام الزائرين الاجانب الذين يصلون الي مكتبه بالهدايا التي تلقاها من الزعماء العرب، مضيفة انه منذ تسلمه منصبه تمكن الموساد من اختراق العديد من الدول العربية .

وقالت الصحيفة ايضا ان الملوك والرؤساء العرب قاموا باهدائه الكثير من الهدايا، واكثرها كانت عبارة عن سيوف مرصعة بالذهب والاحجار الكريمة.
وقد أشارت الصحف الصهيونية إلى أن دجان هو الذي رتب لقاء بين رئيس الوزراء الصهيوني إيهود أولمرت ومسئول سعودي رفيع المستوى في قصر العاهل الأردني. وليس معلوما شكل الهدايا التي تبادلها أولمرت والمسؤولون السعوديون في اللقاء السري، لكن وفقا لما صرحت بها مصادر سياسية صهيونية رفيعة جدا، فإن أولمرت عاد إلي تل ابيب متشجعا للغاية من نتائج اللقاء .وألمح في حديث الي الاذاعة العبرية، الي انه التقي اخيرا فردا في العائلة الحاكمة السعودية، يشاع أنه الأمير بندر بن سلطان!!


وردا علي سؤال لصحافيين عن اللقاء الذي اشارت اليه الصحف العبرية الاسبوع الماضي، قال اولمرت لنقل في هذا الشأن اننا قررنا ان اصدر نفيا، لكنكم لستم مضطرون لتصديقه . واضاف في شأن المواضيع الاخري، عليكم تصديق كل نفي اصدره .

Labels:

Sunday, October 01, 2006

فانوس حارتنا





كانت حارتنا أجمل الحارات، وفريقنا الأسد المرعب أقوى الفرق فى لعب الكرة الشراب، لكن أغبياء الحارات الأخرى، كثيرا ما كانوا يجادلوننا فى هذه الحقائق الواضحة وضوح الشمس، الأمر الذى يدخلنا فى معارك معهم ننتصر فيها دائما لأننا الأقوى.
مزايا كثيرة كانت تتمتع بها حارتنا. لكن أجملها كان ذلك الفانوس الذى يزين وسط سمائها كل رمضان، والذى كان يلفت أنظار المارة فى الشارع الرئيسى بحجمه الضخم وألوانه الزاهية وشراشيبه المدلاة تصنع حفيفا يسمع فى سكون الليل بعد أن يهدأ ضجيجنا نحن.
ولأننا أطفال طيبون ولسنا كأوغاد الحارات الأخرى فقد خصنا الله بنعمة جعلت من حارتنا أجمل حارات الحى، بل أجمل حارات العالم. إنه العم فانوس هكذا كان اسمه كهربائى الحارة الذى كان يساعدنا قبيل كل رمضان فى صنع أجمل فوانيس الدنيا، أو للحق كنا نحن الذين نساعده. وهى مساعدة لا تتجاوز تحلقنا حوله فى دائرة ضيقة، تكاد تفقده أعصابه، فيسب من يختار منا بين الحين والآخر، ونردد نحن وراءه السباب مذيلين إياه بتأكيد:أصله واد بايخ ورخم.. فيرضى ويستمر فى عمله الذى لا ينتهى إلا مع تباشير الفجر الرمضانى الأول.
ولأن للعم فانوس مواهب عدة، فهو منشغل دوما. لا يستقر فى مكان واحد لأكثر من دقائق. إما معلقا فى الهواء على سلم خشبى، يمد يدا واحدة لإصلاح مصباح النيون فوق يافطة عبدالله الميكانيكى، أو داخل محل عم مرزوق يتمدد أسفل ماكينة الطعمية، أو مقرفصا يدغدغ، بحنان وصبر، راديو عم حسين الجزار ولا يتركه حتى يصدح بصوت الشيخ محمد رفعت وحينها فقط ننتشر نحن فى الحارة صائحين هيييه.. هييه مقلدين سرب حمام الحاج شكرى الذى يطلقه كل عصارى.
أحيانا كثيرة كنت أسائل نفسى وأصحابى: ماذا لو فارقنا العم فانوس، لا قدر الله، وسكن حارة أخرى؟ فينهرنى أصحابى:يا شيخ.. فأل الله ولا فألك، فاستعيذ بالله.
سألت أبى مرة، وأنا معلق بيده أثناء اصطحابه لى إلى المسجد لصلاة التراويح، لماذا لا يذهب العم فانوس أبدا إلى المسجد، ففاجأنى أبى بضحكة لم أسمعها منه من قبل، ولا من بعد، وقال: العم فانوس يصلى فى مكان آخر! فاندهشت.
وأذكر أننى لم استطع، يومها، الحفاظ على خشوعى فى الصلاة كما علمنى أبى، إذ ظل السؤال يطاردنى ويلح: أين يصلى العم فانوس.. أين يصلى العم فانوس
قصة لـ محمد الروبي

Labels:

eXTReMe Tracker