Saturday, March 11, 2006

من يقرأ الصحف العبرية في مصر?




المراسلون الإسرائيليون في القاهرة يخفون جنسياتهم خوفاً من المارة

القاهرة: محمد أبوزيد
حين وقعت تفجيرات بميدان عبد المنعم رياض بوسط القاهرة، قبل عدة أشهر، قال الخبر إن هناك اسرائيليين أصيبا في الحادث، وفي خضم الحديث عن أثر التفجيرات، لم يلتفت البعض إلى فكرة أن الاسرائيليين الآن أصبحوا يسيرون في أشهر ميادين القاهرة بكل حرية، لكن ما لفت الانتباه بعد ذلك هو التغطية الصحافية للحادث في الصحف الاسرائيلية، وهو ما يجعل طرح السؤال «مَن يراسل الصحف الاسرائيلية من القاهرة»؟، مهماً وضرورياً.
وعلى غير بعيد من مكان الحادث، بالتحديد لدى «عم رمضان» أشهر بائعي الجرائد في وسط القاهرة، توجد عدد من الجرائد العبرية، التي تجعلنا نطرح سؤالاً آخر: «ومَن يقرأ هذه الجرائد في مصر؟».
ان انتشار الترجمات العبرية في الصحف المصرية للمواضيع الخاصة بمصر، ووجود 6 أقسام لتعليم اللغة العبرية في الجامعات المصرية، تحتم فتح ملف الصحف العبرية في مصر: من يقرأها، ومن يراسلها، ومن يوزعها؟.. الأهم: من يصدقها؟.
في البداية يلفت محمد عبود، الصحافي والمترجم بجريدة «العربي» الناصرية، إلى أن الصحافة الاسرائيلية تباع في كل أنحاء العالم مثلها مثل أي صحافة أخرى في العالم، وهي تباع في مصر في منفذ واحد في وسط القاهرة تابع لتوزيع «الأهرام»، ويقرؤها كل قراء العبرية في مصر، وهم الذين يتعلمون في مؤسسات أكاديمية تعلم العبرية، أو الصحافيون الذين يترجمون من العبرية إلى العربية، مشيراً إلى أن هناك في مصر جوا عاما رافضا للتطبيع.
ويقول عبود إنه لا يوجد مراسلون اسرائيليون مقيمون بشكل دائم في القاهرة، ولا في أي عاصمة عربية أخرى، لأنهم يعتبرون الدول العربية، وفقاً للقانون الإسرائيلي «دول عدوّة»، وأن الشعور الجمعي في الدول العربية معاد للصهيونية، وللوجود الاسرائيلي في المنطقة العربية، ولاحتلال فلسطين، ما عدا الدول التي عقدت اتفاقيات سلام معهم، لذا فإن حضورهم إلى الدول العربية يكتنفه بعض الحذر.
ويضيف عبود أن الصحف الاسرائيلية تعتمد في ما تنشره عن مصر من معلومات، على ما ينشر عن مصر في وسائل الميديا المختلفة، أو عن طريق مراسلين يزورون مصر على فترات، وعندما يكون هناك حدث مهم كالقمة العربية مثلاً، يكون هناك مراسل اسرائيلي موجود لتغطية القمة، وأحياناً يأتي مراسل اسرائيلي، ويعتمد في جمع المعلومات على العامة، كأن يركب مع سائق تاكسي ويتجاذب معه أطراف الحديث، ليحصل منه على المعلومات التي يريدها، أو لكي يعد تقريراً شاملاً عن الأوضاع الاقتصادية في مصر، وإن كان يخفي جنسيته لادراكه الرفض العام لوجود اسرائيليين في مصر، أو من الممكن أن يحصل على المعلومات من أصدقائه التطبيعيين الموجودين في القاهرة، الذين قد يساعدونه في الحصول وجمع المعلومات.
وأشهر الصحافيين الاسرائيليين الذين يكتبون عن مصر من جريدة «هاآرتس»، هم سيفي باونيل، وهو متخصص في الشؤون المصرية وباحث في جامعة بن جوريون، وهناك يواف شبيرت، وهو متخصص في الشؤون العربية ويجيد الحديث بالعربية وهو حفيد شبيرت قائد الهاجناه، وقد كان موجوداً في القاهرة الأسبوع الماضي في الاحتفال بصدور ترجمة رواية عبرية إلى العربية اسمها «ياسمين».
أما جريدة «معاريف»، فأشهر محرريها الذين يكتبون عن مصر جاكي حوجي، وهو يهودي من أصل عراقي يجيد العربية أيضاً، ويتردد على القاهرة كثيراً، ولديه مصادر كثيرة في وزارة الخارجية، وفي الجامعة العربية، وهو من اليهود العراقيين الذين نجحوا في التصويت في الانتخابات العراقية الأخيرة.
أما جريدة «يديعوت أحرونوت»، فأشهر مراسليها وكتابها عن القاهرة سمدار بيري، وهي سيدة عجوز، وهي متابعة للشؤون المصرية منذ عقدت اتفاقية كامب ديفيد الأولى بين السادات وبيجين.
أما أشهر مذيعي التلفزيون بالنسبة للمصريين، فهو أهارون بارنيه، وذلك لتخصصه في اجراء الحوارات مع الرئيس المصري حسني مبارك، كان آخرها حوارا أجري منذ حوالي شهرين. ويجيد أهارون الحديث بالعامية المصرية، وهو مذيع في القناة الثانية الاسرائيلية.
ويقول عبود إن قراء العبرية في مصر قليلون، لأنه لا يوجد من يتحدث العبرية في مصر إلا المتخصصين وهم خريجو أقسام اللغة العبرية في الجامعات المصرية، حيث يوجد بمصر 6 أقسام في الجامعات يدرسون اللغة العبرية في جامعات عين شمس والقاهرة والأزهر وحلوان والمنصورة. مشيراً إلى أن هناك أعداداً كبيرة من الخريجين من هذه الأقسام يعملون في أشياء أخرى لا علاقة لها بمجال دراستهم، وباللغة العبرية، وهناك عدد قليل يعملون في حقل اللغة العبرية، وهم يعملون في حقل الاعلام أو الجامعة أو الأجهزة الأمنية، وهناك المترجمون الذين يعملون في الصحف الوطنية، وهؤلاء يكون عليهم عبء مطالعة الصحف الاسرائيلية وينقلون ما فيها من أخبار تخص الشأن المصري.
ويلفت عبود إلى مشكلة أخرى خاصة بسعر هذه الجرائد، فهي تتراوح ما بين ثلاثين إلى خمسة وثلاثين جنيهاً للنسخة الواحدة (حوالي 7 دولارات)، وهو مبلغ كبير بالنسبة للجريدة اليومية العادية في مصر (جنيه واحد أو أقل)، بالاضافة إلى أن الحصول على الكتب العبرية أصبح صعباً جداً بالنسبة لدارسي اللغة العبرية، حيث ان الدولة حتى الآن ترفض تزويد مكتبات الجامعات بها منذ منتصف الثمانينات، فأصبح الباحثون الوطنيون الرافضون للتطبيع، لا يعرفون كيف يتابعون ما ينشر كل يوم، وهناك مشكلة أخرى أن هذه الجرائد تصل بعد أسبوع من صدورها.
وحول مدى مصداقية هذه الجرائد لدى المواطن المصري، يقول عبود إن الجرائد الاسرائيلية تتمتع بحرية عالية، وتطرح معلومات بشكل دائم، ونحن بلد غير منتج للمعلومات، ففي حين تنفي وزارة الزراعة طوال الوقت أن هناك تطبيعاً أو اتفاقيات مع اسرائيل، نجد أن الصحافة الاسرائيلية تؤكده وتدعمه بصور هذه الاتفاقيات.
نائل الطوخي، الصحافي والمترجم والباحث في هذا المجال، يقول إن الصحف الإسرائيلية ذات الطابع اليساري تفرد صفحات أكثر لمصر وللعالم العربي عموما، من نظيرتها اليمينية، وهذا بهدف ثقافي وسياسي في الآن ذاته، لكسر حدة صورة «العدو العربي»، التي يتم رسمها في الصحف اليمينية الأخرى، ليس فقط على الجانب السياسي من حيث وصف حالة البلد الآخذة في الاشتعال تدريجيا الآن، وبالتالي تفنيد صورة «المجتمع العربي المتخلف الراضي بالديكتاتورية»، إنما من حيث رصد الواقع الثقافي المصري الثري، الذي يعتبره بعض الإسرائيليين مفتاحا لفهم الثقافة العربية بشكل عام عن طريق مبنى واحد: المركز الأكاديمي الإسرائيلي بجوار كورنيش النيل.
الدكتور رشاد الشامي، رئيس قسم اللغة العبرية في جامعة عين شمس بالقاهرة، يقول إن بداية من الانتفاضة الثانية توقفت الجرائد العبرية عن المجيء إلى مصر، وفي الفترة السابقة كانت هناك أعداد من هذه الصحف تأتي، وكان يحصل عليها طلاب أقسام اللغة العبرية في الجامعات المصرية، لأنهم كانوا يستفيدون من حصولهم عليها في التدريب على الترجمة، ومعرفة معلومات عن اللغة العبرية. مشيراً إلى أن هناك أماكن أخرى بخلاف الجامعات، تحتاج إلى الحصول على هذه الجرائد، وهي الجرائد المصرية التي تخصص أماكن لترجمة ما ينشر عن مصر في الصحافة الاسرائيلية، وهذه الصحف استطاعت في السنوات العشر الأخيرة استقطاب أعداد من خريجي أقسام اللغة العبرية لترجمة ما يكتب عن مصر في اسرائيل، على اعتبار أن هذه الموضوعات ذات أهمية بالنسبة للقارئ، ويتابعها ويريد أن يعرف مردود سياسة بلاده في الخارج.
ويضيف الشامي ان أهم الجرائد الاسرائيلية التي تأتي مصر ولها جمهور، هي «أيديعوت أحرونوت» و«معاريف» و«هتسوفيه» و«هاآرتس»، وكانت بالنسبة لنا في الجامعات تخلق حالة من الانتعاش، لأننا كمدرسين للغة العبرية، ولدينا طلاب جزء أساسي من المناهج الدراسية أن يدرسوا اللغة في أطرها اللغوية الجديدة، ويواكبوا المفردات الجديدة التي تظهر، وكان هذا يساعد الأساتذة ويجعلهم يعتمدون على أن هناك مادة متاحة بين أيدي الطلاب للتدريس وعمل ما يمكن تسميته بالواجب المنزلي، كما كانت الأعداد الأسبوعية من هذه الجرائد تنشر ملاحق أدبية مهمة لنا لمتابعة أحدث الأخبار الأدبية، وكنت أحرص على أن أشتري الملحق الأسبوعي لكل الجرائد و«أذاكر» فيه لمدة شهر، وهو يحمل مادة متنوعة كبيرة وتحقيقات عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي في اسرائيل، وكان حوالي 130 صفحة، وكانت هذه الجرائد نافذة مهمة لكي نعرف الأخبار، وما يكتب عنا بالخارج.
وحول وجود مراسلين للصحف الاسرائيلية في مصر، يقول الشامي إن هناك مندوبين للصحف الاسرائيلية موجودون في القاهرة بشكل دائم، وإن لم يكن بشكل دائم، فلهم الحق في أن يذهبوا ويعودوا إلى مصر بحكم أن هناك اتفاقيات بين مصر واسرائيل، وهم يأتون ويجرون حوارات مع المسؤولين الكبار، وقد بدأ هذا منذ حوالي عام 1985، وما زال ساري المفعول، لكن ليس لهذا مقابل في اسرائيل، أي لا يوجد مراسلون لنا هناك، بخلاف مراسلي الفضائيات وقنوات التلفزيون.
ويضيف الشامي، انه ربما لا يكون المراسلون الاسرائيليون مقيمين بشكل دائم، وان كان لهم الحق أن يأخذوا تصريحات عمل من الهيئة العامة للاستعلامات للعمل هنا. ويشير الشامي إلى أنه لا يوجد صحافي مصري أو عربي يقبل أن يعمل مراسلاً لهذه الجرائد، لأن هناك قراراً بنقابة الصحافيين المصريين وبجميع نقابات الصحافيين العربية، بالمقاطعة في هذا الشأن، وكل الصحافيين ملتزمون بهذا.
وفي حين يؤكد العديدون وجود مراسلين اسرائيليين في القاهرة يرفض فولكهارد ويندفور، رئيس جمعية المراسلين الأجانب في مصر هذا الطرح، ويقول: «لا يوجد لدينا مراسلون اسرائيليون هنا، والكتاب الذي نصدره سنوياً ويضم أسماء المراسلين الأجانب غير موجود به أسماء اسرائيليين»، ويضيف فولكهارد: «هناك مراسلون للصحف الاسرائيلية لا يمكن انكار هذا، لكنهم في الغالب أميركيون، ذوو اتجاهات معروفة، وقد يكون هناك اسرائيليون، لكنهم غير منضمين لجمعيتنا»..
صحيفة الشرق الأوسط اللندنية

Labels: , , ,

صراع "الإخوة أسدوف" على الحكم في سوريا



بشار يستعد للإطاحة برأس أخيه الطامع في الحكم
ماهر الأسد عصبي حاد الطباع متهم بالتورط في اغتيال الحريري
عاصف شوكت زوج أخت بشار ينتصر في صراعه ضد ماهر الأسد
غازي كنعان مرتشي، حصل على ملايين الدولارات من الحريري


قدم ديتليف ميليس تقريره للأمين العام للأمم المتحدة. ونُشرت سجلات التحقيق، لكن يبدو أن المسألة ستستغرق وقتا أطول حتى نعرف من الذي قتل الحريري، ونعرف معلومات أكثر حول طبيعة الصراع بين "الإخوة أسدوف"- ماهر وبشار الأسد. إنهم ليسوا في صراع التوريث فحسب، بل هو صراع مخضب بدماء السوريين، جرجر "الجمهوركية" العربية الأولى لهذا المنعطف المأساوي الذي ينذر بعقوبات دولية أو تدخل عسكري خشن من جانب الأمريكان.
قد يكون الصراع على الخلافة بين الأمين والمأمون هو الأكثر دموية في التاريخ الإسلامي كله، لقد قتل المأمون أخيه الأمين للانفراد بالخلافة، والسلطة والثروة، لكن لاشك أن التاريخ سيسجل أيضا أن صراع الإخوة الأعداء في القصر الرئاسي السوري عام 2005 هو الأكثر مأساوية في ذلك البلد العربي، الذي شهد صراعات مريرة على كرسي الحكم لم تهدأ أبدا عبر تاريخه.


دراما "الإخوة الأعداء" في سوريا غير مرتبطة، بالطبع، بالأديب الروسي ديستوفسكي، وإنما ترتبط بالرئيس السوري حافظ الأسد الذي أنجب ثلاثة ذكور أراد توريث الحكم، لـ"باسل" أكبرهم، وصاحب حق البكورية وفقا للتقاليد الشرقية القديمة، لكن الأمر الإلهي أوقف مخطط التوريث، وتبقى ولدان يتصارعان على الثروة والسلطة، ويجران سوريا إلى قاع المنحدر.

إحدى الحكايات الأكثر إثارة وغرابة عن عائلة الأسد تدور حول علاقة بشار الأسد مع عاصف شوكت رئيس المخابرات العسكرية في سوريا. عاصف شوكت الذي اجتاز رحلة معاناة طويلة إلى أن حصل على موافقة حافظ الأسد على الزواج من ابنته بشرى تخاصم قبل خمس سنوات مع ماهر الأسد شقيق بشار الذي يشغل منصب رئيس الحرس الجمهوري.

خلفية النزاع تعود لتصريحات شوكت الحادة ضد رفعت الأسد، عم بشار الذي أُبعد لسنوات طوال إلى باريس خلال لقاء عائلي تواجد فيه ماهر أيضا. ماهر المعروف بأنه عصبي وحاد المزاج طالب عاصف شوكت بأن يغلق فمه وأن يحذر من انتقاد عمه رفعت على اعتبار أن الخلاف بين رفعت وحافظ الأسد، ولا يحق لشوكت أن يعلق عليه، طالما أنه لا ينتمي للعائلة بالمرة. "شوكت" لم يصمت، وذكّر "ماهر" أنه زوج أخته بشرى، الأمر الذي زاد من غضب ماهر وثورته، فقد سبق، وعارض هذا الزواج - مثل أخيه الأكبر باسل. ماهر، حسب "الحكايات المتواترة في الشارع السوري والتي تختلط فيها أنصاف الحقائق بتوابل الخيال، استل مسدسه حينئذ وأطلق النار على بطن شوكت. عاصف شوكت نُقل في حينه إلى المستشفى في باريس ولم يعد من هناك إلا بعد تدخل حافظ الأسد وعقد جلسة صلح بين الطرفين.

ولم تمر فترة طويلة حتى تعقدت "الحبكة التوريثية" أكثر وأكثر، وأظهر الأب حافظ الأسد حنكة وخبرة بالحياة والأشخاص أكثر عمقا..عندما مات باسل الأسد، المرشح للخلافة، في حادث طريق، استدعي بشار الأسد من لندن لكي يستعد للامساك بمقاليد الحكم. الأسد الأب أوصاه بتقريب شوكت إليه ليس فقط لأنه زوج أخته بشرى وإنما أيضا لان شوكت سيكون وفياً له أكثر من أي شخص آخر. هذا لان عاصف شوكت لا يملك قاعدة شعبية واسعة، وكل قوته تأتي من صلته بأسرة الأسد بالرغم من كونه علوي وبعثي. هكذا تتصرف الأسرة الحاكمة الجديرة بهذا الدور. وهكذا تختار الأشخاص الأقوياء الموالين، وهذه هي القاعدة الذهبية لتقريبهم، أو إقصائهم، ويمكنك أن تتخذ من هذه القاعدة معيارا تقيس به الأشخاص المحيطين بالمستوريثين من أبناء الرؤساء في مصر وليبيا واليمن..وعسكريين وسياسيين يستبعدون بسبب تصاعد في شعبيتهم، أو أغنية تمتدحهم هنا أو هناك.


على كل حال بشار الأسد قبل النصيحة، وعاصف شوكت أصبح الرجل القوي في الجهاز الحاكم في سوريا وربما الشخص الأقرب لبشار. صحيح أن ابن عاصف شوكت، زياد شوكت (27 عاما)، يتمتع من هذه الصلات حيث تتحدث المعارضة السورية عن سيطرته التدريجية على الأراضي والعقارات في طرطوس، ولكن بشار نفسه يستفيد جدا منه. أحد الدلائل على طبيعة هذه العلاقات يظهر من خلال استعداد الأسد للسماح لرئيس طاقم التحقيق الدولي ديتلف ميليس بمساءلة ماهر الأسد حتى ولكن ليس عاصف شوكت. في سوريا، دولة الإشاعات، يتحدثون عن أن بشار مستعد "للتضحية" برأس أخيه ماهر شريطة أن يخرج عاصف شوكت نقي اليدين من عملية التحقيق في اغتيال الحريري في فبراير الماضي.

في خضم دوامة صراع القوة الدائر في عائلة بشار الأسد والمقربين برز دور غازي كنعان وزير الداخلية الذي انتحر مؤخرا، وكان رئيسا للمخابرات السورية في لبنان، وكان في الواقع يدير الشؤون اللبنانية باسم سوريا طوال عشرين عاما. عندما تسلم بشار الأسد في عام 1998 الملف اللبناني (من قبل تعيينه رئيسا لسوريا بعد موت والده في صيف 2000)، شرع في حملة لتنظيف الحظائر من الفساد - وهو اسم سري مرادف لعملية التطهير في القيادة. هذه كانت أيضا السنة الأخيرة لولاية الحريري الأولى كرئيس للحكومة، وفي نفس العام "فاز" إميل لحود الموالي لسوريا برئاسة الجمهورية اللبنانية بعد ضغط شديد مارسه حافظ الأسد.

و بدأ إميل لحود، بوصفه رسول بشار الأسد، حملة ضد الفساد في الدولة حيث وجَه جوهر هذه الحملة ضد الحريري وأعوانه الذين دفعوا خلال سنين طويلة ملايين الدولارات لقادة النظام السوري حتى يحصلوا على موافقة دمشق على الخطوات السياسية. حسب أحد التقارير التي وزعتها المعارضة اللبنانية في حينه تحت قيادة الجنرال ميشيل عون (الذي لجأ إلى باريس وعاد هذا العام إلى لبنان)، في عام 1992 عرض الحريري على الرئيس اللبناني في حينه أمين الجميل 30 مليون دولار حتى ينهي رئاسته للجمهورية اللبنانية قبل الموعد بستة أشهر. وفي ذات الوقت عرض على الأسد الأب 500 مليون دولار حتى يوافق على تعيين جوني عبده، الذي كان رئيسا للاستخبارات العسكرية اللبنانية، في منصب رئيس الجمهورية، وذلك حتى يقوم جوني عبده نفسه بتعيين الحريري رئيسا للوزراء حتى يتمكن من دفع المصالح السورية في لبنان. الجميل حسب هذا التقرير رفض العرض.

في كل الأحوال "حملة التطهير" التي قام بها لحود انتهت بعد فترة قصيرة من بدايتها، بعد أن تبين أنه قد يمس برئيس الاستخبارات السورية في لبنان غازي كنعان، الذي كان أيضا ضمن قائمة الحاصلين على الملايين من الحريري. لحود أوصى بشار الأسد في حينه بإزاحة كنعان من منصبه وتعيين عاصف شوكت، صهره، بدلا منه. إلا أن بشار الأسد الذي لم يكن رئيسا بعد، خشي من القيام بهذه الخطوة المغامرة. وعليه، أبقى كنعان عامين آخرين في منصبه ومن ثم نقله إلى منصب رئيس الاستخبارات السياسية ومن بعد ذلك إلى المنصب الهام كوزير للداخلية حيث واصل الإمساك بخيوط التحركات في لبنان بواسطة من عيّنه رئيسا للاستخبارات السورية في لبنان، رستم غزالة، الذي كان نائبه سابقا.

غازي كنعان الذي أدرك أنه مراقب وأن مكانته في تلك الفترة ليست مستقرة بذل جهده للبرهنة عن ولائه لنظام بشار الأسد، وفي نفس الوقت بقي قريبا جدا من رفيق الحريري الذي عاد إلى رئاسة الوزراء في عام 2000. في ذلك العام بادر غازي كنعان إلى سن قانون الانتخابات الجديد الذي وزع الدوائر الانتخابية اللبنانية من جديد بصورة تضمن انتخاب ممثلي السنة المؤيدين لسوريا في البرلمان، وإنشاء علاقة اعتماد متبادلة بين المرشحين المسيحيين والسنيين. إذا كانت تقارير محطة التليفزيون "نيو تي في" التي يملكها رجل الأعمال تحسين الخياط، صحيحة، فان غازي كنعان قد اعترف أمام لجنة التحقيق الدولية بأنه قد حصل على عشرة ملايين دولار من الحريري حتى يدفع قانون الانتخابات البرلمانية. غازي كنعان حسب تلك التقارير أبرز لهم نسخا من الكمبيالات التي حصل عليها كدليل على أنه لم تكن لديه أي ذريعة للرغبة في موت الحريري.

إذن من نحر غازي كنعان، على حد قول محللين لبنانيين كان ولاء غازي كنعان لبشار الأسد مطلقا، ولكن في دائرة الرئيس كان هناك بعض المسئولين السوريين واللبنانيين الذين يعتقدون أن كنعان أقوى مما يجب، ومن الأفضل قصقصة جناحيه. وتتردد في الشارع السياسي اللبناني حكايات مثلا عن الخلاف بين غازي كنعان وبين خليفته في المنصب رستم غزال. غازي كنعان اعتقد أن من الواجب التصرف في لبنان حسب مبدأ "الحزم مع الحساسية في التعامل". هو كان من أنصار النهج الشخصي الدبلوماسي وكشخص ذو كاريزما وسحر شخصي كبير عرف كيف يطبق ذلك. رستم غزالة في المقابل هو رجل جبروتي ذو قوة تعبيرية ضحلة. على سبيل المثال قام رستم غزالة بتهديد الحريري بصورة مباشرة، بينما عرف غازي كنعان كيف يتجنب مثل هذه المصادمات. رستم غزالة امتلك معلومات هائلة حول صفقات كنعان في لبنان، سواء الاقتصادية أو السياسية، ومن المحتمل أن يكون قد رغب أيضا في إزاحته عن ظهره لأن غازي كنعان كان من بين أولئك الذين يعتقدون أن نهج رستم غزالة المتشدد هو الذي سرّع حركة الاحتجاج في لبنان عندما اندلعت المظاهرات الكبرى هناك ضد الوجود السوري.

غازي كنعان اضطر أيضا إلى الاختيار بين الأطراف المختلفة في صراع القوة الخفي الدائر بين ماهر الأسد، شقيق بشار، وبين عاصف شوكت، صهره. ليس واضحا إن كان دائما قد نجح في اختيار المسار الصحيح في هذا الصراع الدائر وربما نشأ وضع بعد عملية التحقيق الدولية شعر فيه غازي كنعان أنه قد تعرض للإهمال من قبل الأطراف - بما فيهم بشار - التي سارعت لإنقاذ نفسها. في غضون ذلك بقيت عدة علامات استفهام غير محلولة في قضية غازي كنعان: هل كان ماهر الأسد هو الذي أعد عملية اغتيال الحريري بواسطة مجموعة عنيفة عملت من دون علم كنعان وعاصف شوكت؟ وهل يخشى ماهر الأسد من أن يؤدي ضعف أخيه بشار إلى انهيار حكم عائلة الأسد في سوريا، وعليه فضل الاستعداد للخلافة منذ الآن؟ إذا كان الجواب ايجابيا فان لماهر الأسد مصلحة في إزاحة كنعان الذي اعتبر مستشارا وفياً لأخيه بشار.

ليس من المستبعد أن يكون ماهر الأسد على اتصال مع رفعت الأسد الذي يتطلع بنفسه لرئاسة سوريا، بل ومستعد من اجل ذلك للتعاون مع الأمريكيين. إذا كان غازي كنعان قد علم بهذه الإمكانية فهل كان بامكانه أن يُحذر بشار من دون أن يُتهم بأنه يقوم بتأليب الصراعات داخل الأسرة؟ السؤال الآخر المطروح يتعلق بخوف أبناء عائلة بشار الأسد وهو نفسه من إمكانية أن يكون غازي كنعان الحلقة الأضعف التي قد تُسلم المعلومات المُدينة في قضية اغتيال الحريري لطاقم التحقيق. هذه الأسئلة موجهة نحو إمكانية أن يكون غازي كنعان قد قُتل أو أُمر بالانتحار وأنه لم ينتحر بمبادرة شخصية منه. ولكن هناك أيضا الجانب الشخصي الذي قد يدحض هذه الإمكانية. عندما يواجه شخص في مكانة غازي كنعان عملية تحقيق ويشعر أنه قد أصبح مُهملا، فهذا وضع قد يؤدي به إلى الانتحار.
على كل حال راح غازي كنعان ضحية كثير مما اقترفه، لكن يبدو أنه قد آن الأوان لترتفع أصوات قوى الاحتجاج السياسي في سوريا ضد حكم الوريث بشار، لتجبره على إجراء إصلاحات ديمقراطية حقيقية، قبل أن يقتتل الأخوان، وتغرق "المركب" التي يقودها رئيسان.
مـحـمـد عـبـود

Labels:

eXTReMe Tracker