Tuesday, January 15, 2008

بوش كلب أولمرت المدلل

لا نعرف كيف يتعامل الرئيس الأمريكي جورج بوش مع الزعماء العرب. لا يسرب أحد تفاصيل اللقاءات التي تتم بينهم. الأجواء التي تسود مباحثاتهم. لكن المؤكد أنها لن تكون بنفس الحميمية والغرام الملتهب الذي أحاط جولته في إسرائيل.48 ساعة قضاها الرئيس الأمريكي في "إسرائيل" والأراضي المحتلة. لم يترك له الإسرائيليون فرصة للتنفس، ولم يقصر هو في كسب ودهم، وإغداق القبلات والأحضان على كل من يقابله.
ما أن هبط بوش في مطار بن جوريون حتى استقبله رئيس بلدية القدس المحتلة "أوري لوبوليانسكي". اصطحبه إلى فندق الملك دافيد، وبدأت قصة الغرام التي ترصدها معاريف. دعاه للبقاء فترة أطول في القدس، حتى يشاهد مناطقها السياحية، وتأكيدا على "الكرم اليهودي" أعطاه كوبونا يسمح له بدخول خمسة مواقع أثرية مجانا!
بوش حرص على كسب ود إسرائيل بكل الطرق. ففي حفل عشاء بمجلس الوزراء الإسرائيلي، أفاض في مدح "إيهود أولمرت". وخاطب الوزراء، وطالبهم بالحفاظ على أولمرت في منصبه.



تصريحات بوش اعتبرتها معاريف استباقا لتقرير القاضي فينوجراد الذي يحقق في تقصير الحكومة الإسرائيلية وهزيمة الجيش الإسرائيلي في لبنان. بينما رأتها "يديعوت" توصية أمريكية واجبة النفاذ. فقد قال بوش لوزراء تل أبيب: "إيهود أولمرت زعيم قوي..وأدعوكم أن يستمر قائدا لإسرائيل".
حفل العشاء نفسه غرقت في جو من الأحضان والابتسامات والقبلات المتبادلة. عانق بوش قرينة "عليزا"، وتبادلا حديثا طويلا حول زوجها. وحرص على مصافحة الوزراء واحدا واحدا. وسأل كل منهم عن بلده الأصلي، ومتى هاجر أبوه وأمه إلى إسرائيل. وأعرب عن دهشته عندما عرف أن الحكومة لا تضم وزير واحد ولد في إسرائي!
الوزير إيلي يشاي (حزب شاس) كسر أوامر أولمرت. وسلم الرئيس الأمريكي خطابا من الحاخام عوفديا يوسيف الزعيم الروحي للحزب. طالب فيه بإطلاق سراح الجاسوس الأمريكي يهودي الأصل بولاراد. وزعم إنه لم يكن يسمع بأوامر أولمرت بمنع تسليم طلبات خاصة للضيف الكبير. أما الوزير "أفيجدور ليبرمان"، فكاد يفسد الجو الاحتفالي عندما تحدث طويلا عن الأعداء العرب والصدام المحتمل معهم.
بعد الحفل عقد بوش لقاء خاصا مع أولمرت وباراك وليفني. وطلب توصياتهم قبل لقاء أبومازن. تكشف يديعوت أن بوش سألهم: ما الذي سيقوله لي محمود عباس غداً في رام الله حسب رأيكم؟ ليفني صمتت. باراك صمت. وبعد لحظات قال أولمرت: هو سيقول لك عكس ما يقوله لي. سيتحدث عن المستوطنات. وعن جبل أبو غنيم، وسيحاول كسب النقاط أمام شعبه. لكن صدقني أنه لا ينام الليل ليس بسبب "أبو غنيم"، لكن بسبب حماس .
كرم بوش لم يتوقف عند هذا الحد، بل سألهم: " أريد أن اسمع منكم" إلى أين تريدون التوجه؟ هل تريدون استمرار الوضع القائم، أم تريدون دولة واحدة للإسرائيليين والفلسطينيين، أم دولتين؟ قال باراك: دولتين. وقالت ليفني دولتين. أما أولمرت فقال وأنا أيضا أريد دولتين، ليس لأنك اقترحت ذلك وأنا أؤيدك وإنما لأنه ليس هناك بديل آخر.




وفي زيارته لمتحف الهولوكست (ياد فشايم) عبر عن غضبه من الرؤساء الأمريكيين السابقين لأنهم لم يكونوا محاربين مثله، وقال: كان يجب أن يقصفوا قصف معسكر الاعتقال النازي أوشفيتس بالطائرات والصواريخ. لكن على أية حال يجب أن يحمي العالم اليهود حتى لا تتكرر هذه الكارثة مرة أخرى".
الطريف أن بيريس لعب معه لعبة الحاخام والرئيس أثناء جولته. فقد اقترب منه وقال له: "اليوم أسعد يوم في حياتي. فاليوم ذكرى الإفراج عن أبي من معسكرات النازي". بوش تأثر جدا، وطلب منه حكاية القصة. انطلق بيريس يحكي له قصة غريبة عن أبيه الذي وقف مستسلما أمام فصيلة إعدام مسلحة بالبنادق. لكن فجأة قفز قسيس مسيحي. وقال لهم اقتلوني أنا بدلا منه، وهكذا نجا أبوه". قبل انتهاء الزيارة اقترب بوش من بيريس، وقال له قصتك أثرت في بشدة، لا أستطيع نسيانها!
التقى بوش أيضا بـ"عومري" و"جلعاد" ابني آريئيل شارون. وقال لهما اشتقت لأبيكما جدا، وأتمنى شفائه. الغريب واشنطن بوست انتقدت رئيس الوزراء الإسرائيلي، وقالت عنه: أولمرت كلب بوش المدلل. ويبدو أن خطأ مطبعيا وقع في عنوان الصحيفة الأمريكية

أم الرشراش..أولا


رجال الدين اليهود أنفسهم منقسمون، ويدور بينهم جدل فقهي واسع حول أم الرشراش. يرى أغلبهم أنها مدينة مصرية. فكرتهم بسيطة، المدينة لا تقع ضمن حدود أرض إسرائيل الكبرى. وبالتالي، الاحتفاظ بها مثل عدمه.
أكيد تبادر لذهنك سؤال بديهي. لكن "إسرائيل الكبرى" من النيل للفرات. هكذا تعلمنا ورددنا. وصرنا نحذر أنفسنا، يوميا، من مؤامرة الإسرائيليين الذين اختاروا لسفارتهم مقرا في الجيزة غربي النيل. ليذكرونا دائما أن جيوشهم قادمة لافتراس أراضينا!

الكلام شائع لكنه غير دقيق. فالحدود الشمالية لـ"إسرائيل الكبرى"محسومة في العقيدة اليهودية، وهي نهر الفرات. أما الحدود الجنوبية فهي فرع قديم من النيل وصلت مياهه إلى المنطقة المعروفة اليوم باسم العريش. ويعتبر التيار الرئيسي بين الفقهاء اليهود أن الحدود الجنوبية هي الخلجان الثلاثة: إيلات والعقبة والسويس. والحدود الغربية هي البحر المتوسط. أما الحدود الشرقية فهي شبه الجزيرة العربية. يستند الحاخامات في ذلك إلى الحدود التي رسمتها التوراة لما يعرف بمملكة داود وسليمان، والمناطق التي سكنها العبرانيون القدماء.

الأهم أن اليهودية تهتم جدا بمركزية الأماكن المقدسة. فهي تعتبر القدس مركز الكون، خلقها الرب، قبل أن يخلق ظهر البسيطة. والقدس أو أورشليم تندرج تحت بند المثنى في اللغة العبرية. فهي، حسب العقيدة، مدينتين: الأولى في السماء والثانية على الأرض. يربط بينهما سلم مرمري، تستخدمه الملائكة صعودا وهبوطا حاملة أوامر الرب. واستخدمه النبي اليهودي إلياهو في أول معراج سجلته الكتب الدينية.

"مركزية أورشليم" جرت في إثرها شعائر وطقوس دينية. فمن يدفن داخل حدود "أرض إسرائيل" يدخل الجنة رأسا، ومن يدفن خارجها يمر على ملائكة العذاب. وكان يهود شرق أوروبا في القرن الثامن عشر يدفعون أموالا طائلة للحاخامات مقابل دفن صكوك تحمل أسماؤهم وأسماء أمهاتهم في فلسطين، لكي يغفر لهم ما تقدم وتأخر. واليوم تعتبر الحاخامية الكبرى في إسرائيل من يدفن في إيلات، كأنما دفن خارج "حدود إسرائيل"!
ويفتون بأن أم الرشراش أو إيلات خارج حدودهم الدينية لأن النبي يشوع بن نون لم يحتلها. ولم يسكن فيها عبرانيون قدماء. لذلك على سكانها الاحتفال بالأعياد اليهودية بعد 24 ساعة من توقيتها باعتبارهم يقيمون خارج أرض إسرائيل.
باختصار الصهيونية الدينية لا تمانع كثيرا في التنازل عن أم الرشراش. المانع الحقيقي لدى التيار العلماني الحاكم في إسرائيل الذي يعتبر احتلال المدينة مسألة جغرافية سياسية، وعسكرية اقتصادية.
فباحتلال أم الرشراش انقطع التواصل البري بين الدول العربية في شرق البحر الأحمر وغربه. وأصبحت تحت السيطرة الصهيونية. ولا يحتاج الأمر إلي جهد كبير لمعرفة الآثار الاقتصادية والعسكرية والسياسية لوجود هذا العائق. وباحتلال المدينة قضت إسرائيل على فرضية أن البحر الأحمر "بحيرة عربية", بكل ما لهذا من تداعيات علي حماية الحدود البحرية شديدة الامتداد لمصر والسعودية والسودان واليمن.
وباحتلالها، حصلت تل أبيب على منفذ يطل على البحر الأحمر، وصار بإمكانها اليوم أن تطرح مشروعا بديلا لقناة السويس بمشروع قناة "إيلات" - البحر الميت. والأخطر أن الوجود الإسرائيلي في البحر الأحمر يسمح لقواته البحرية بتهديد العمق الجغرافي لمصر والسعودية والسودان.
كل هذه الأهداف كانت في ذهن بن جوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي. عندما أمر وفده بالتفاوض مع المصريون على الهدنة في رودوس 10 مارس 1949. وأصدر أوامره في نفس الوقت لعصابات يقودها إسحاق رابين لاحتلال أم الرشراش، وفرض الأمر الواقع على القاهرة. اقتحم رابين "شهيد السلام" المدينة. واغتال جميع أفراد وضباط الشرطة المصرية- 350 شهيدا. بالرغم من أن عصابته دخلت المدينة دون طلقة رصاص واحدة لالتزام قوة الشرطة المصرية بأوامر القيادة بوقف إطلاق النار. وأظن أنه قد آن الأوان للمطالبة بمدينة مصرية، فرطت فيها كامب ديفيد ، استجابة لمطلب الكيان الصهيوني بالحصول على منفذ علي البحر الأحمر.

Saturday, January 12, 2008

مقبرة باتساع الوطن

يعيش المصريون في مقبرة باتساع الوطن. صار الموت غرقا لا يرعب شبابا في مقتبل العمر. يسافرون هربا من الفقر والجوع والبطالة، يستقلون نعوشا عائمة. يحدوهم الأمل في الوصول إلى بر الأمان. ربما تكون أرصفة إيطاليا وتركيا أحن وأرحم من الموت قهرا وكمدا. ربما تكون قبضة البوليس الإيطالي حريرية بالمقارنة مع هراوات الأمن المركزي.
صار الموت حليفا للمصريين، في العبارة موت، في أقسام الشرطة موت، على الحدود مع إسرائيل موت، حتى طعامهم المسرطن يحمل لهم الموت.
ربما كان هذا هو التفسير الوحيد للصمت المطبق الذي خيم على المصريين بعد الكشف عن مقبرة جماعية لجنود مصريين في إيلات. كفت الصحف الرسمية على الخبر ماجور. ترددت صحف خاصة في نشره حتى بثته وكالة الأنباء الرسمية. شهداؤنا في حاجة لقرار رسمي لكي يعلن عنهم! بقرار خرجوا دفاعا عن الوطن، وخوفا من قرار تأخر الإعلان عن صرخة رفاتهم المحتجزة في إسرائيل يعبث بها الحاخامات وخبراء الآثار في تل أبيب!

صورة المقبرة الجماعية في إيلات

عرف الخبر أخيرا طريقه للنشر، ومع ذلك خيم الصمت على الجميع! الحي أبقى من الميت في هذا الوطن، فالحي ميت في هذا الوطن، والموتى لا يصرخون. رفاتهم فقط تبقى، وتصر على مواجهتنا بالحقيقة، أم الرشراش مصرية، استشهد فيها جنود عرب دافعوا عن الوطن، وفرطت فيها اتفاقيات.
عمال الحفر الإسرائيليون عكفوا على وضع أساسات لمقبرة يهودية جديدة بالمدينة المصرية، تفجرت لهم الأرض معلنة عن أصحابها، تسمروا أمام بقايا جثامين مصرية، وملابس شرف عسكرية، ومصحف صغير. أبلغوا السلطات الإسرائيلية التي أعلنت أن الرفات والمتعلقات العسكرية تعود لجنود مصريين أو أردنيين حاربوا في (أم الرشراش) عام 1948.
كلما توسع العمال في الحفر، كلما اكتشفوا رفات جديدة. كم هو مرعب ما نشر في يديعوت أحرونوت، ولم تنقله جريدة مصرية حتى الآن. يقول العامل "شالوم لاشام": "عند الظهر، اكتشفنا العظام الأولى. كنا نحفر باللودرات..اصطدمنا بصخرة أعجزتنا. توقفنا لنواصل الحفر بأيدينا، فصعقنا عندما أخرجنا ذقنا بشرية تبرز منها أسنان، واصلنا الحفر من جديد، فنجحنا في إخراج جمجمة وعظام فخذ. ووجدنا إلى جوار العظام سكينا، وخنجرا عربيا".


كم هو مرعب أن تشعر بالعجز أمام شهدائك. وتنظر حولك لترى حكومة غير قادرة، على حماية الشعب وهو حي، فكيف تتدخل لتحميه وهو ميت. إسرائيل تفتعل الأزمات مع القاهرة يوميا، وتصر سنويا على إرسال بعثات عسكرية على سيناء بحثا عن رفات جنود إسرائيليين لقوا مصرعهم في سيناء خلال حرب أكتوبر. تل أبيب تملأ الدنيا ضجيجا بحثا عن رفات قتلاها. ويبدو أن شخصا ما في الحكومة المصرية يخشى المطالبة بإرسال خبراء مصريين لموقع الحفريات، وحصر رفات الشهداء، وتكريمها بالدفن.

لا أشك أن وزير الخارجية أحمد أبوالغيط وصله من خلال أجهزة المتابعة الطريقة التي تعامل بها الإسرائيليون مع رفات جنودنا. العامل الإسرائيلي "شالوم لاشام" يحددها بوضوح تقشعر له الأبدان: "راكمنا العظام الآدمية على سور قصير مجاور حتى تأتي الشرطة الإسرائيلية، وتحدد ما العمل". "إيلي كمحي" رئيس جمعية تكريم الموتى في إسرائيل، رفض في البداية اعتبارها بقايا جثث. إيلي حاخام يعتبر اليهود بشر وما عداهم ليسوا كذلك.

والمنطقة التي تضم رفات جنودنا، تقع تحت سيطرة المجلس الديني الإسرائيلي بإيلات، وهو مجلس يتألف من رجال دين يهود يشرفون على مقابر المدينة. بعبارة أخرى المقابر خاضعة لسيطرة حاخامي إيلات موشيه هداية، ويوسيف كات. وهم صاحبا القرار والتصرف في الموقع والرفات، ومهمتهم الآن إصدار رأيهم الفقهي بخصوص المنطقة، هل هناك شرعية لدفن جثامين يهودية في مقبرة تضم جثامين للأغيار!! موتانا في حوزة الحاخامات حتى يتحرك ساكن في القاهرة، حتى يتحرك ساكن في مدينة الموتى.

Friday, January 04, 2008

محادثات مـبــا..راك

محادثات مُـبــَا..راك

· خناقة بين حرس الرئيس وصحفيين إسرائيليين..ومبارك يقول: سيبوهم..أحسن حد يتعور!!
· مسئول إسرائيلي: النظام الذي يحكم 72 مليون بالحديد والنار..يعرف كيف يضبط حدوده مع غزة
· إسرائيل تشطب المعونة..لتخيير مبارك بين التحالف معها أو مواجهة انتفاضة شعبية

· نكتة عبرية: "إسرائيلي على الحدود بيقول لنظيره المصري أنا باخذ 3 آلاف شيكل. قاله ليه؟، فرد: "بدل مخاطر وبدل لبس وبدل سهر وبدل طوارئ وبدل أكل وبدل شرب". راح المصري قاله أنا باخد 70 جنية قاله الإسرائيلي نعم دول بدل إيه؟، فرد المصري: "بدل ما أشخر"!!




******
***
**


حديث الغرف المغلقة شيء، وما يقال لوسائل الإعلام شيء آخر. على السطح توتر حقيقي في العلاقات المصرية الإسرائيلية، وفي الغرف المغلقة جو حميمي ونكات وقفشات، وأحضان وقبلات أيضا.
الصورة المتحركة أبلغ من ملايين الكلمات، وشرائط الفيديو التي نشرتها معاريف لـ"لقاء مبا..راك" تظهر التناغم بين الطرفين. جلس الرئيس مبارك استعدادا للتصوير..ضبط ملابسه بعناية، وعن يمينه جلس وزير الدفاع الإسرائيلي. فجأة يصرخ صوت بالعبرية: "إيه مالك؟! اتركني لحالي". فيرد الرئيس مبارك بالعامية المصرية: "سيبوه، خلاص سيبوه"، ثم يوجه حديثه إلى "إيهود باراك" بالعربية أيضا!! "أحسن يعوروا بعض ولا حاجة".

لا يظهر الصارخون في المشهد، كانوا صحفيون إسرائيليون احتكوا بالحراسات الخاصة، لكن "جملة مبارك" على طرافتها، وبساطتها تلخص دبلوماسية "الغرف المغلقة" التي يتبعها النظام المصري مع إسرائيل. ما تريده تل أبيب تأخذه، لا داعي للصداع، فالعلاقات مع إسرائيل مهمة!! وهي في نفس الوقت جملة تكشف مدى سخافة صحفنا الرسمية التي اقتطعت جملة مبتورة من حديث مبارك مع "يديعوت أحرونوت"، يهاجم فيه "تسيبي ليفني" قائلا: "لقد تجاوزت الخطوط الحمراء"، وتجاهلت صحفنا بقية الجملة: "العلاقات مع إسرائيل مهمة بالنسبة لي" فلا تقربوها!!

وسائل الإعلام مزعجة بشدة للنظم التي تعمل في الخفاء. مبارك يفضل إدارة العلاقات مع إسرائيل بعيدا عن الكاميرات وعيون الصحفيين. لذلك يقول ليديعوت: "تسيبي ليفني ركضت إلي وسائل الإعلام لكي تشكونا، وتمنحنا تقديرات جيد ومقبول وضعيف جدا. بدلا من أن ترفع سماعة الهاتف أو ترسل مبعوثا رسميا، لقد تجاوزت خطوطي الحمراء".

كلام لا يمت للواقع بصلة، ويتجاهل ما يدور داخل الساحة الإسرائيلية سواء على صعيد الرأي العام أو القيادة السياسية. هناك انقسام حقيقي داخل إسرائيل حول طبيعة الدور الذي تلعبه القاهرة في جملة العلاقات الفلسطينية- الإسرائيلية. بدت الفواصل أكثر وضوحا بين يمين ويسار. "أوري هيتنر" من أبرز كتاب اليمين يكتب بعنوان: "الحرب الباردة بين مصر وإسرائيل" ويسوق حججه، و"رافي بوخنيك" من أهم كتاب اليسار يعنون مقاله: "التنسيق الأمني مع مصر ضرورة حتمية"، ويقدم براهينه.





الخطوط الفاصلة بين التوجهين تزداد سمكا، اليمين يتهم مصر بتهريب السلاح، ويعد شرائط فيديو تصور جنود الأمن المركزي يتجاهلون عمليات التهريب عبر الأنفاق، ويرسل بالشرائط إلى البيت الأبيض والكونجرس قبل جلسة تقليص المعونة. وتنطلق نكتة جارحة في تل أبيب: "إسرائيلي على الحدود بيقول لنظيره المصري أنا باخذ 3 آلاف شيكل. قاله ليه؟، فرد: "بدل مخاطر وبدل لبس وبدل سهر وبدل طوارئ وبدل أكل وبدل شرب". راح المصري قاله أنا باخد 70 جنية قاله الإسرائيلي نعم دول بدل إيه؟، فرد المصري: "بدل ما أشخر"!!
باختصار نجح اليمين الإسرائيلي في حشد اللوبي اليهودي بالكونجرس لتقليص 100 مليون دولار من المعونة الأمريكية. وموقف أعضاء الكنيست من اليمين هو ما يضايق الرئيس مبارك بشدة، وانضمام وزيرة الخارجية لهم وتبنيها لمواقفهم تجاوز الخطوط الحمراء لمبارك. خاصة بعد تهديدات البيت الأبيض بالتحالف مع الكونجرس لتخفيض ثلث المعونة العام القادم 2008. بما يعني أن النظام لن يكون قادرا على الوفاء بكثير من التزاماته الاقتصادية والاجتماعية. فالمعونة تبلغ ثلاثة مليار دولار سنويا، وشطب مليار دولار منها خلال عام يعني دفع مبارك لمواجهة هبة شعبية عاصفة..سبق أن عايش مدى عنفها في يناير 77. (راجع العربي، عدد 1083: هآارتس تعلن الحرب على مصر في الشتاء) والإبقاء على المعونة يتطلب خنق الفلسطينيين أكثر وأكثر، أو كما قال مسئول إسرائيلي حضر "مباحثات مبا..راك": " النظام الذي يحكم 72 مليون مصري بالحديد والنار، يعرف كيف يضبط حدوده مع غزة".
مبارك يدرك ما لا يدركه المسئول الإسرائيلي، فإذا كان التخلي عن المعونة قد يسفر عن هبة شعبية، فإن التحالف مع إسرائيل في خنق غزة وضربها قد يقود إلى نفس النتيجة. فمن حيث المبدأ، المصريون غير معنيين بحل أزمات الاحتلال الإسرائيلي في غزة، وربما من الأفضل أن يستمر نزيف الدماء الإسرائيلية بغزارة داخل القطاع وخارجه. قد ينتج على ذلك ضعف وإنهاك لإسرائيل يدفعها للعودة إلى حجمها الطبيعي، ويقلص ميولها التوسعية.


المؤسف أن مبارك لديه نقطة ضعف استراتيجية تملي عليه مواقفه تجاه غزة. فهو لا يستطيع التخلي عن المعونة الأمريكية، لأنه لم يبذل أي جهد حقيقي في صراع التنمية على مدار 30 عام، لذلك عليه أن التظاهر بمحاربة الأنفاق وعمليات التهريب. وفي نفس الوقت لا يمكنه خنق أهالي غزة وتجويعهم، وحرمانهم من احتياجات أساسية توفرها أنفاق صارت كشرايين الدماء، في ظل إغلاق معبر رفح، وإلا واجه عواقب داخلية لا يقدر على التكهن بها أحد.
مكمن الخطر الأخير يتمثل في خوف النظام من بدو سيناء. فالنظام يعلم أنه لو مارس سياسة القبضة الحديدية تجاه البدو، وحارب التهريب الذي يشكل مصدر رزقهم الرئيسي، ويعكس تضامنهم مع إخوانهم الفلسطينيين، فإن سيناء قد تتحول إلى ساحة عمليات إرهابية تدمر حركة السياحة. لذلك تفضل أجهزة الأمن المصرية التعامل بعنف بادي تجاه العمليات الموجهة صوب المنشآت السياحية، ثم تغلق القوس.

وفي ضوء ذلك فإن خطة مبارك لمواجهة تحالف اليمين الإسرائيلي مع اللوبي اليهودي في الكونجرس تقوم على مهاجمة رموز اليمين، وتدعيم قادة اليسار الذين يعتبرون معاهدة السلام التي أخرجت أكبر دولة عربية من حلبة الصراع، كنزا استراتيجيا، وفي مقدمتهم زعيم حزب العمل ووزير الدفاع الحالي إيهود باراك.


يلعب الرئيس مبارك مجددا على ثنائية الشرطي الطيب والشرطي الشرير. باراك الطيب في مواجهة "ليفني" الساحرة الشريرة. ويتجاهل مبارك، بالطبع، أن مواقف اليمين واليسار في إسرائيل تتطابق كلما تعلقت القضية بـ"أمن إسرائيل". وكل رؤساء الوزراء الذين اتخذوا قرارات الحرب ضد مصر كانوا من اليسار. ويتجاهل أيضا أن باراك هو نفسه وزير الدفاع الذي ألهب الضفة وغزة والعالم العربي بانتفاضة الأقصى، وكاد يفجر مؤتمر أنابوليس عندما هدد بقصف غزة واجتياحها. وإذا كان التاريخ البعيد والقريب لا يعني شيئا. فيكفي أن نعرف أن باراك خلال اللقاء رفض زيادة القوات المصرية على حدودنا مع غزة! وعندما أبدى مبارك استيائه من تصريحات "ليفني" حول التهريب، وأداء القوات المصرية، رد على مبارك: "ليفني ليست المشكلة، إنها جزء من الحل". ولعل الكاريكاتير المنشور في هآارتس عشية الزيارة يبين تطابق مواقف "باراك وليفني". ويدلل على أن النظام المصري دلف إلى النفق، وتل أبيب لن ترضى إلا بدور شرطي الحراسة، وهو دور ليس في إمكان النظام تأديته، وإلا دفع ثمنا باهظا على الصعيد الداخلي.

Labels:

eXTReMe Tracker