Wednesday, April 26, 2006

ماذا فعل بارئيل الإسرائيلي في قلب القاهرة؟!




اعترافات سائق تاكسي مصري في صحيفة إسرائيلية

ماذا لو قابلك صحفي إسرائيلي في مقهي بوسط البلد؟ ماذا لو تجاذب معك أطراف الحديث ليحصل منك علي معلومات شاملة ووافية عن مصر؟ ماذا لو جلس في القاهرة يجوبها ليل نهار ليبعث بالتقارير التي تفيض بمعلومات وأرقام عن المجتمع والاقتصاد المصري إلي صحيفته في إسرائيل؟! ماذا لو علمت أنها ليست المرة الأولي التي يدخل فيها مصر. إنها المرة الثالثة منذ اندلاع انتفاضة الأقصي، أعد في الأولي تقريرا عن موقف الشارع المصري والمثقفين المصريين من الانتفاضة، وفي الثانية تحقيقا صحفيا عن تدهور الأوضاع الاقتصادية المصرية بسبب استمرار الانتفاضة اعتمد فيه علي تقارير صحفية عربية نسبها لمصادر مصرية مجهولة ليظهر كأنه يمتلك صلات قوية مع خليط من المثقفين والخبراء المصريين، إنه "تسفي بارئيل" الصحفي المتخصص في الشئون العربية بصحيفة هاآرتس الذي يفاخر بأنه يدخل إلي مصر، ويلتقي بالناس، ويسجل علي لسانهم، ويرسل بالتقارير إلي كيانه الصهيوني، ويسافر مخرجا لسانه للمصريين. ويعود من جديد ليكرر نفس التجربة. هذه المرة استقل "تسفي بارئيل" سيارة تاكسي مصرية اختارها سيارة قديمة، وقرر أن يتعرف من خلالها إلي أحوال المصريين، وبالفعل بعث بأول تقاريره من القاهرة لينشر في هاآرتس الجمعة 12/ 9/ 2003، ويروي فيه تفاصيل زيارته الحالية إلي مصر، وتعرفه إلي "أسامة" شاب مصري يملك تاكسي "فيات" موديل 79، اشتراها سنة 1985 من طبيب مصري مقيم بمنطقة جاردن سيتي، التاكسي الخاص بأسامة مميز حسب برواية "بارئيل"، فقد ثبت بجوار عداد السرعة صورة لجمال عبدالناصر، وصورة أخري للرئيس مبارك تتدلي من مرآة السيارة. أما صورة السادات فغائبة لأنه "كان خائنا"، كما يقول أسامة.
ويقول "بارئيل" إن أسامة كما عرفه مسلم معتدل مثل غالبية الشعب المصري، يدير شريط كاسيت لرجل دين إسلامي مشهور، ويضع مصحفا صغيرا بحرص علي تابلوه السيارة، ولا ينسي أن يقول "بسم الله الرحمن الرحيم" قبل أن يدير السيارة بسلكتين كهربائيتين تتدليان من التابلوه، بدلا من المفتاح.
ونتتبع تقرير الصحفي الإسرائيلي عن أحوال مصر المحروسة الاجتماعية والاقتصادية من خلال سائق التاكسي لنعرف ماذا يفعل بارئيل في مصر يقول: "أسامة يعمل سائق تاكسي في المساء فقط، أما في يومي الخميس والجمعة فيعمل طوال الليل لأن الجمعة والسبت إجازته، فهو موظف متوسط بأحد البنوك المصرية يعمل حتي الخامسة مساء.
يقول "بارئيل": "لم أساومه علي ثمن المشوار، فهناك ثلاثة مبادئ تحكم التعامل مع سائقي التاكسي في القاهرة، إذا دفعت أجرة لا تغضبه، فأنت راكب محترم تعرف مصر جيدا، وإذا تساومت قبل أن تركب فأنت سائح غريب عن البلد، وإذا تركت للسائق أن يحدد الأجرة فبالتأكيد أنت ساذج. في كل تاكسي مثبت عداد، لكنه لا يعمل في مصر منذ عشرات السنين. ولكي تصبح راكبا محترما وتدفع أجرة لا تغضب السائق، يجب أن تكون ملما بالتطورات الاقتصادية والاجتماعية في مصر، بل وبما يعانيه المواطن المصري من ضغوط، طبعا مشكلة لا يواجهها راكب التاكسي في الأردن، أو تركيا حيث تعمل العدادات بموجب القوانين".
وفي مصر يجب أن تميز بين الاختناقات المرورية المألوفة، وبين الزحام الناتج عن غزو العراق، والذي يكلف الراكب أكثر من المعتاد. ففي منطقة جاردن سيتي علي سبيل المثال، حيث تقع السفارة الأمريكية والبريطانية، أغلقت أجهزة الأمن جميع شوارع المنطقة تقريبا أمام حركة السيارات لاعتبارات أمنية. وانتشر رجال الشرطة والحواجز المرورية نصبت في مداخل الشوارع، منذ اندلاع الحرب. ولعله سبب كاف ليكره الآلاف من سكان هذه المنطقة أمريكا التي جعلت حياتهم لا تطاق بسبب الإجراءات الأمنية. هذا بخلاف آلاف السيارات التي باتت مضطرة للالتفاف دورة كاملة حول منطقة جاردن سيتي. والتعطل بسبب الازدحام المروري عند مداخل ومخارج المنطقة، وبالتالي فإن مدة المشوار التي لم تكن تزيد علي سبع دقائق صارت الآن لا تقل عن 40 دقيقة، وبالتالي ارتفعت تكلفة المشوار بالنسبة لأبناء الطبقة الوسطي الذين لا يريدون ركوب الأتوبيسات العامة التي تقطع مسافات طويلة جدا، ولا يعتمد عليها، وبالنسبة للسيدات التي لا تريد الانتشار وسط الرجال في أتوبيسات النقل العام.
يقول لي أسامة: "الآن نطلب جنيها زيادة بسبب الزحام" أسامة يحصل علي 600 جنيه راتبا شهريا لقاء عمله في البنك، والتاكسي يدر عليه حوالي 500 جنيه أخري. لكن بيته يحتاج لحوالي 1500 جنيه شهريا. وسألته من أين يعوض الباقي فرد: "ربنا مابينساش حد". ولم يوضح لي أكثر من ذلك. الجنيه الزيادة الذي صار لزاما علي المصري دفعه بسبب غزو العراق، يعني 30 جنيها شهريا، أي حوالي 5% من متوسط دخله شهريا.
ويضيف "بارئيل": "مضت ثمانية أشهر منذ قررت الحكومة تعويم الجنيه، وقد انخفضت قيمته بشدة منذ ذلك الوقت. حتي نهاية يناير الماضي كان الدولار يساوي 4.51 جنيه مصري "كان من قبل بـ 2.5 جنيه، ثم وصل إلي 3.5 جنيه"، أما الآن فسعر الدولار في مصر رسميا 6.15 جنيه. ورئيس الوزراء عاطف عبيد الذي لا يفوت مناسبة إلا وتحدث عن التحسن الملموس في الاقتصاد المصري، وبخ مؤخرا التجار ورجال الأعمال الذين يستغلون انخفاض قيمة الجنيه، ويرفعون الأسعار.
ويقول أستاذ جامعي متخصص في الاقتصاد بجامعة القاهرة: "لقد اضطرني غلاء المعيشة في الشهور الستة الماضية، لسحب كل مدخراتي من البنك، بدلا من أن تشجع الحكومة أشخاصا مثلي علي إيداع أموالهم، تضطرني لسحب الفلوس حتي أوفي التزاماتي اليومية". أما الأغنياء ورجال الأعمال فيخرجون أموالهم من مصر لعدم ثقتهم في الجنيه المصري، وفي سياسات الحكومة. عندما تضيف لذلك نسبة البطالة المرتفعة، وغياب المشاريع التي توفر فرص العمل، وضياع العائد من السياحة، وعدم قدرة مصر علي المنافسة في السوق العالمية، بسبب سوء السلع، نصل لنتيجة حتمية بأن الحكومة لن تستطيع الوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين خلال عدة سنوات".
ومن التاكسي الذي بحث فيه بارئيل عن أحوال مصر إلي حي الحسين، والأزهر للبحث وراء فتوي الشيخ العش بخصوص مجلس الحكم الانتقالي، حيث دلف بارئيل في البداية إلي مكتبة السلام أمام الجامع الأزهر، وذاب وسط زوار المكتبة الذين جاءوا لشراء الكتب الدينية يشاهد ويسجل ملاحظاته، ويقول: "أرفف المكتبة مقسمة بحرص إلي أربعة أقسام بحسب المذاهب الإسلامية الأربعة المشهورة، ورف خامس لكتب عن المذهب الشيعي. المكتبة لا تعتمد علي جهاز كمبيوتر لتسجيل هذا الكم الهائل من الكتب، فكل محتويات المكتبة مسجلة جيدا في عقول العاملين بها يكفي أن تحدد اسم الكتاب، أو المؤلف، أو حتي تذكر موضوعا معينا، ليضعوا أمامك عشرات العناوين في الموضوع. تسفي بارئيل أراد أن يصعب المأمورية علي عمال المكتبة وطلب كتاب "معالم علي الطريق" للشيخ سيد قطب الذي يحدد فيه أسلوب المراحل الذي تبنته حركة الإخوان المسلمين، ويقول بارئيل: رمقني البائع بنظرة مرتابة، وقال "الكتاب ممنوع من النشر". ويقول بارئيل مازال اسم سيد قطب يثير قلق وخوف البعض في مصر، وبعض كتبه توزع سرا بين طلبة وكوادر في حركة الإخوان المسلمين، ويضيف: "إن قطب والشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي لحركة حماس، قبض عليهما معا سنة 1965 في حملة الاعتقالات التي قام بها عبدالناصر ضد الإخوان، وقد كان تأثير سيد قطب علي الشيخ أحمد ياسين واضحا خاصة في مواقفه الدينية، والتنظيمية عندما قرر إقامة حركة حماس. لكن بارئيل لم يذهب مكسور الخاطر لقد تطوع أحد زبائن المكتبة بإعارته نسخة مصورة من الكتاب!.
محمد عبود

Labels:

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

eXTReMe Tracker