Sunday, October 15, 2006

الخليلي الشاب المصري الذي هزم إسرائيل

..أشرف على شبكات التجسس وخلايا الفدائيين في العريش
..تلقى توجيهات القاهرة عبر إذاعة صوت العرب
..أرسل المعلومات في أظرف مكتوب عليها: يسلم إلى الشيخ عبد الحميد
أبوعمير مسئول الشاباك بسيناء عاش مرعوبا من المخابرات المصرية
فور اندلاع الحرب..سيل من الرسائل المشفرة لللقاهرة بتحركات الجيش الإسرائيلي



في مساء اليوم الثاني لحرب أكتوبر، وبينما كان الجنود الصهاينة يقاتلون في محاولة يائسة لصد الجيش المصري المندفع نحو سيناء ببسالة منقطعة النظير، التقطت وحدة التنصت التابعة للاستخبارات العسكرية سيلا من رسائل "موريس" المشفرة، وتبين أنها تبث من العريش شمال سيناء. هذه الحقيقة استنفرت عناصر الإستخبارات "الإسرائيلية"، لكون الموقع يتيح متابعة الإمدادات التي يدفع بها جيش الاحتلال عن طريق شارع الشاطئ للجنود المستنزفين في عمق سيناء والمعاقل التي أقيمت قرب قناة السويس.

..حــرب عـقـول
وأدركت إسرائيل أن "جاسوساً" يقف وراء إشارات موريس، ويرسل من خلالها التقارير لمصر في الوقت المناسب حول استعدادات الجيش الإسرائيلي لمواصلة الحرب، الأمر الذي يمكن من شل محاور الإمدادات الحيوية. وهنا بدأت معركة "أدمغة" بين شعبة الإستخبارات في الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك) من جهة، وبين استخبارات الجيش المصري.هذه القصة حافظ عليها سراً ضابط الشاباك، "يهودا ليهود"، مدة 33 عاماً...حتى كشفتها صحيفة يديعوت أحرونوت الأسبوع الماضي في ذكرى حرب أكتوبر..محرر الشئون العسكرية "رون بن يشاي" تناول تفاصيل تنشر للمرة الأولى حول نشاط "عبد الحميد الخليلي" أحد سكان مدينة العريش، في مقاومة الإحتلال الإسرائيلي، ، وذلك من خلال عمله مع الإستخبارات المصرية.
ويحاول "بن يشاي" الدفاع عن رواية الشاباك للقصة، بزعم أنها "خديعة ساعدت "الجيش الإسرائيلي" في الحرب"، رغم أنه يقر بفشل الإستخبارات الإسرائيلية في تجنيد الخليلي لصالحها، ويؤكد أن الأخير كان "عميلاً مزودجاً"، إلا أن عمله كان لصالح وطنه مصر، رافضاً للعروض الإسرائيلية والإغراءات المالية للإحتلال.


ضابط الشاباك ليهودا يهود..أبوعمير
بدأ الضابط "يهودا ليهود" عمله في الشاباك في قطاع غزة، حيث اعتاد رجال المقاومة الفلسطينية إلقاء القنابل اليدوية على السيارات الإسرائيلية. وأطلقت يد "الشاباك" في القطاع لوقف تهريب القنابل من سيناء إلى غزة. وحقق "ليهود" نجاحا في عمله..فتقرر نقله عام 1972 إلى العريش بعد هدوء ساد قطاع غزة.وفي تلك السنة ظهرت في العريش منشورات موقعة بإسم "أبناء سيناء الأحرار"( الإسم مترجم عن العبرية)، تدعو السكان إلى مقاومة الإحتلال الإسرائيلي.
تقع العريش على مفترق طرق حيوي يربط بين شمال ووسط سيناء. وأهم هذه الطرق..شارع الشاطئ الذي يربط بين غزة وقناة السويس ومن هناك إلى القاهرة. وعن طريق هذا الشارع، وخط السككالحديدية الموازي له، كان الجيش الإسرائيلي ينقل إمداداته صوب ضفة القناة. وهو نفس المسار الذي خطط الجيش لنقل قوات بواسطته إلى القناة في حالة نشوب حرب. وفي ذلك الوقت كان يعيش في العريش نحو30 ألف نسمة، غالبيتهم مصريون، وعدد قليل من الفلسطينيين. وكان من بينهم آلاف الموظفين المصريين الذين تلقوا رواتب مزدوجة، سواء من الحكم العسكري الإسرائيلي أو من مصر التي واصلت دفع رواتبهم حتى بعد احتلال سيناء عام 1967. وخططت سلطات الاحتلال لتجنيد عشرات من سكان العريش للتعاون مع تل أبيب.
وبدأ الضابط "ليهود" وشهرته "أبو عمير" باستدعاء الموظفين إلى مكتبه، ليتحدث معهم طويلاً عن حياتهم وعملهم وأقاربهم في مصر. وبعد أشهر معدودة بدأت جهوده تثمر عن نتائج، مما أتاح للشاباك والجيش البدء بحملة لملاحقة "أبناء سيناء الأحرار".
وأدى اعتقال مدرس مصري، قام بصياغة منشورات "أبناء سيناء الأحرار"، إلى القضاء على التنظيم. وتم اعتقال عدد كبير من كبار المسؤولين في التنظيم، والذين كانوا يتلقون التوجيهات من الإستخبارات العسكرية المصرية، في حين هرب بعضهم إلى داخل مصر.بعد أن خسرت الإستخبارات المصرية هذه الجولة، في الموقع الأهم في سيناء، بدأت بتفعيل عملاء وبناء شبكات إستخبارية جديدة في سيناء تحت إشراف الشعبة الخاصة المسماة بـ"المكتب الخاص". وكان المسؤول عن منطقة العريش في الإستخبارات المصرية أحمد اليماني ومحمد سليمان.
يقع الذراع المتقدم للمكتب الخاص في القنطرة. وفي هذه المدينة كان المعبر الخاص الذي يتنقل من خلاله السكان من سيناء إلى مصر والعكس. وفي حينه عمل الصليب الأحمر على منح التصاريح بالتنسيق مع السلطات المصرية والإسرائيلية. وقام عناصر المكتب الخاص بالتحقيق مع كل من يدخل من سيناء أو يعود إليها. وكان ليهود أيضاً يقوم باستدعاء جميع العائدين من مصر إلى مكتبه للتحقيق معهم.
وفي يونيو 1972 علم أنه مستهدف من قبل المخابرات المصرية. حيث تبين له أن المحققين المصريين في القنطرة والقاهرة طلبوا المزيد من المعلومات عن "أبو عمير": أين يسكن وأين يأكل وأين يشرب القهوة وكيف يحدد اللقاءات وبماذا يهتم عندما يتحدث مع سكان العريش. الأمر الذي أفرزعه بشدة..ودفعه إلى اتخاذ جانب الحذر، فدأب على تغيير سيارته في أوقات متقاربة، وكان يسافر بسيارات تحمل لوحة مصرية، ويعقد لقاءاته بصحبة الحراس.
وقبل الحرب بسنة ونصف، لاحظ ليهود أن نشاط المخابرات المصرية في سيناء في تصاعد مستمر. وفي حديثه مع "مصادره" تبين له أن المصريين ليسوا على استعداد لتقبل خسارة سيناء، وأنهم يبحثون عن طريقة للرد على هزيمة 67. وأن الشبكات التي أنشأتها الإستخبارات المصرية قادرة على تنفيذ عمليات، وتعريض عملية الإمداد للخطر أثناء الحرب.
وقرر ليهود كشف خطط المخابرات المصرية، عن طريق أحد مصادره الإستخبارية، "سعد جلبانة"، الذي كان بإمكانه أن يقوده إلى رئيس "المكتب الخاص" في القاهرة. جلبانة من سكان العريش وكان مقربا من سالم اليماني شقيق أحمد اليماني. وفي المقابل وصلت ليهود معلومات عن عبد الحميد عبد الله الخليلي، صديق جلبانة وأحد القوميين الناشطين في العريش. علاوة على ذلك، كان الخليلي قريباً لعائلة أحد أعضاء مجلس الشعب المصري، وقريباً لأحد كبار المسؤولين في المخابرات العامة في القاهرة.

سعد جلبانة ..
يقول ليهود إنه بعد أن أجرى ثلاثة جولات من "المحادثات" في مكتبه مع الخليلي، تبين له أن الأخير على استعداد للتعاون، وأنه بإمكانه أن يكون أكثر من مجرد "مصدر"، حيث كان يتصف بـ"الشخصية القوية والقيادية، والاستيعاب السريع وحبه للمال".
وألقى ليهود عدداً من المهمات على الخليلي، كاختبار له، ولما اجتاز الإختبار قرر وقف لقاءاته العلنية معه، وتحويلها إلى سرية. وفي تقارير ليهود منح الخليلي الرقم 649، في حين منح سعد جلبانة الرقم 648. وبدأت اللقاءات معهما بسرية تامة. وفي كل مرة أراد لقاء أحدهما، كان يكتب عددين على شكل "كسر رياضي"، بحيث يكون "البسط" (العدد العلوي) تاريخ اللقاء، في حين يمثل "المقام" (العدد السفلي) ساعة اللقاء. وفي يونيو 1972، قرر ليهود أن 648، و649 مؤهلان لتنفيذ المهمة الخطيرة، وهي اختراق الشعبة الخاصة للمخابرات العسكرية في القاهرة بهدف معرفة ما إذا كان المصريون يخططون للحرب. وكان ليهود يدرك أن هذه المسألة ليست من ضمن اختصاصه، فتفعيل العملاء في الدول المجاورة مسئولية المخابرات العسكرية (أمان) والمخابرات الخارجية (موساد). وقرر عرض خطته على رؤسائه..وفكرتها الرئيسيةأن: يذهب الخليلي وجلبانة لزيارة أقاربهما، وتكون مهمتهما الحقيقية التجند ضمن "المكتب الخاص". واعتقد أن صداقة جلبانة مع شقيق اليماني، والعلاقة العائلية للخليلي مع عضو مجلس الشعب، وضابط المخابرات المصرية، كل ذلك سيؤدي إلى قيام الشعبة الخاصة للمخابرات بتوكيلهما بـ"التجسس" في العريش.
وبحسب ليهود، ففي حال ابتلع المصريون الطعم، سيقوم اليماني بتأهيلهما كعملاء ويزودهما بجهاز اتصال. وعندما يعودا إلى العريش سوف يرويان للشاباك طرق عمل وأهداف المخابرات المصرية في سيناء، وسيقومان بتسليم الشاباك جهاز الإتصال، وطرق التشفير وقائمة العملاء في سيناء الذي يفترض أن يقوما بالاتصال بهم.
وعندما ادعى المسؤول عن ليهود أنه لا يمكن معرفة حقيقة نوايا الخليلي وجلبانة، وأنه من الممكن أن يعملا لصالح المخابرات المصرية، قال ليهود أن شبكة العملاء التي نشرها في العريش ستتيح له مراقبتهما عن كثب والتأكد من عدم تضليلهما للشاباك.ووافق الموساد والمخابرات الحربية (أمان) على الخطة بثلاثة شروط، أولها أن يقوم واحد فقط من الإثنين بزيارة القاهرة، خشية أن يقوم الثاني بالتبليغ عنه، وثانيها أن يقوم ليهود بترتيب عملية مراقبة متواصلة للعميل بعد عودته من القاهرة، والشرط الثالث هو إشراك الوحدة 154 التابعة للمخابرات العسكرية في العملية.
ووقع اختيار ليهود على الخليلي (649). وكان على قناعة بأن المخابرات المصرية سوف تنتبه إلى شخصيته القيادية، وأن نشاطه القومي السابق سيجعله المثالي في نظرهم لإقامة شبكة استخبارات في سيناء. إلا أنه لم يكن من السهل إقناع 649 بقبول المهمة التي ستعرض حياته للخطر. إلا أنه وافق أخيراً، ومنح لقب "منمن" (وهو اختصار لثلاث كلمات عبرية يعني"استخبارات ضد استخبارات"). وفي الثالث من يناير 1973، قبل 10 شهور من الحرب، قدم الخليلي طلباً للصليب الأحمر لزيارة القاهرة، وتقرر أن تكون مدة الزيارة شهرين.
مر شهران على سفر "منمن" ولم يجر أي اتصال مع مشغليه. وأبلغ جلبانة، الذي كان على علم بالمهمة، ليهود بأن الخليلي اتصل بزوجته وأبلغها أن الصليب الأحمر لم يصادق على عبوره القناة عائداً إلى العريش. وعلى الفور قام ليهود بفحص الموضوع وتبين أن "منمن" لم يقدم أي طلب للصليب الأحمر للعودة إلى العريش، الأمر الذي دفعه إلى الإعتقاد بأن العقيد اليماني بلع الطعم ويقوم بتدريب "منمن" كعميل للمخابرات المصرية. وفي نهاية يونيو، أي بعد ستة شهور، عبر "منمن" القناة عائداً إلى العريش. وقص على ليهود أنه أقام في البداية مع شقيقه في بورسعيد، وسافر من هناك عدة مرات إلى القاهرة، ليقابل عدداً من أصدقائه، ومن بينهم عضو مجلس الشعب وضابط الإستخبارات. وبعد أسبوعين تم استدعاؤه إلى مقابلة في القاهرة مع أحمد إبراهيم من "المكتب الخاص". وبعد عدة أيام استدعي للقاء آخر، ولكن هذه المرة مع أحمد اليماني في مكتبه.
وروى الخليلي لليماني أن "أبو عمير" استدعاه عدة مرات للتحقيق معه بسبب نشاطه في العريش، إلا أنه تركه وشأنه في النهاية. وبعد أربعة شهور من وصول "منمن" إلى مصر، عرضت عليه الإستخبارات المصرية العمل معها في منطقة العريش، تماماً مثلما توقع ليهود. وطلب منه تنظيم شبكة من المراقبين لرصد تحركات الجيش الإسرائيلي في شمال ووسط سيناء. كما طلب منه نقل المعلومات عن طريق عناصر من الصليب الأحمر، أو عن طريق مسافرين من العريش إلى القاهرة. وعلى كل مغلف (معلومات) كان عليه أن يكتب "يسلم إلى الشيخ عبد الحميد".

الخليلي يغلق جهاز شفرة موريس

وعندما سأله ليهود إذا ما كان قد حصل على جهاز اتصال، أجاب "منمن" بالنفي. وقال إنه خضع لتدريبات أساسية فقط، مثل الرصد وتشخيص الوحدات الإسرائيلية وأنواع المركبات والدبابات والمدافع والصواريخ. وبحسب الخليلي (منمن) فقد قيل له إنه سيتم استدعاؤه مرة أخرى لتلقي تدريبات وأموال ومهمات أخرى بعد أن يكتسب الخبرة اللازمة في المراحل الأولى. وعندما سئل الخليلي لماذا تأخر طيلة هذه الفترة، أجاب أن التأخير حصل بسبب الصليب الأحمر.
لم يقتنع ليهود ومحقق أخر من الوحدة 154 بأقوال الخليلي. فقد كانوا يعرفون أن الإستخبارات المصرية تتلقى التقارير بشكل منتظم حول تحركات الجيش الإسرائيلي من بدو سيناء، وأنه من غير المعقول أن يتم تدريب إنسان لمدة شهور فقط من أجل القيام بعمليات رصد عادية. هذه الفرضية جعلتهم يتوصلون إلى نتيجة قاطعة وهي أن "منمن" لم يقل الحقيقة كاملة حول المهمة التي ألقيت على عاتقه من قبل المصريين.
وبحسب ليهود فقد تيقن من فرضيته، وقرر هو وزميله من الوحدة 154 التظاهر بأنهما صدقا أقوال الخليلي، وفي الوقت نفسه قررا مراقبة تحركاته بعدة وسائل، من بينها أجهزة التنصت التي زرعت في بيته في غيابه!
كان ليهود على قناعة بأن الإستخبارات المصرية زودت الخليلي بجهاز اتصال، وصمم على الحصول على الجهاز من أجل استخدامه لتزويد المصريين بمعلومات خاطئة، إلا أنه كان بحاجة إلى تعاون الخليلي الذي كان يعرف رموز الجهاز من أجل تشغيله. بيد أن الخليلي بدأ يتهرب من مقابلة ليهود. وفي النهاية اجتمع به في الـ 23 من أغسطس، وقال له إن المخابرات المصرية طلبت منه صوراً لمطار العريش وقاعدة وحدة التسلح القريبة من العريش، ومنشآت المياه التابعة لشركة "مكوروت" التي تزود المياه لمنطقة القناة. وأعترف الخليلي بأنه قام بتنفيذ المهمة حتى لا يكون عرضة لشكوك المخابرات المصرية.
وقرر ليهود ممارسة الضغط النفسي على الخليلي، فاستدعاه إلى مقر الحكم العسكري في العريش في الـ5 من سبتمبر، قبل شهر من الحرب. ولدى وصوله كان في انتظاره طاقم من أمهر المحققين في شعبة التحقيقات التابعة للشاباك. وبحسب ليهود فقد كان الخليلي خائفاً مرتجفاً، وتحدث بهمس وتصبب عرقاً، إلا أنه لم ينكسر، ولم يبلغ المحققين سوى بالمعلومات التي كانوا على علم بها، بل إنه أنكر أن يكون قد قام بالتقاط الصور، وعلل اعترافه السابق برغبته في التخلص من الضغط الذي مارسه عليه ليهود!
وعندها قرر المحققون إخضاعه لجهاز "كشف الكذب"، إلا أن الموعد تقرر في الـ8 من نوفمبر، حيث لم يجد المحققون أن الأمر عاجل. ذلك في الوقت الذي كان المصريون يجرون سراً الاستعدادات الأخيرة لعبور القناة. ويحاول "ليهود" تبرير فشله بإدعاء أنه: "في اللحظة "المصيرية" التي كان بإمكانه الضغط على الخليلي واستخدامه للكشف عن المخططات المصرية، طلبوا منه السفر في مهمة عاجلة لمرافقة مجموعة من الرياضيين لأوروبا، بدلاً من أن يلاحق الخليلي "العميل المزدوج" في العريش.. لكن "ليهود" يعود..ويذكر أنه عاد "لإسرائيل" في الـ25 من سبتمبر، وبعد أحد عشر يوماً اندلعت الحرب..
في اليوم الثاني لنشوب الحرب (8 أكتوبر) بدأ عبدالحميد الخليلي ينفذ المتفق عليه مع المكتب الخاص، فقد انفجرت عبوة ناسفة تحت أحد الكباري بمدينة العريش، كما انفجرت عبوة أخرى أدت إلى سقوط عامود الكهرباء. وفي مساء اليوم نفسه التقطت الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية إشارات "مورس" مشفرة تبث من العريش.وبشكل مثير للاستغراب ويشكك هنا في مدى الصدقية، يقول ليهود إنه اتفق مع عناصر الوحدة 154 على السماح للخليلي بمواصلة بث التقارير الإستخبارية إلى القاهرة، (حتى في ظروف الحرب وخاصة مع عبور الجيش المصري لقناة السويس!!) إلى حين يتاح استخدامه لنقل تقارير مضللة...
ويتابع أنه في الـ10 من أوكتوبر بدأت تهبط في إسرائيل الطائرات الأمريكية التي تنقل العتاد والدبابات والأسلحة. وفي 14 من الشهر نفسه، بحسب ليهود، لجأ الجيش الإسرائيلي إلى التظاهر بأنه يدفع بقوات كبيرة إلى جبهة القتال، تمر عن طريق العريش، من أجل إيصال هذه المعلومات إلى مصر عن طريق الخليلي.
هذه المسألة تضاعف الشكوك في مدى دقة رواية ليهود هنا، خاصة وأن نقل مثل هذه المعلومات يخلق حالة من الاستنفار على الجبهة المصرية، وليس العكس، وبالتالي لا يوجد أي مصلحة "عسكرية إسرائيلية" في نقل مثل هذه المعلومات. والأرجح أن عرض الرواية بهذا السياق يأتي بهدف التغطية على الإخفاق الذريع الذي مني جهاز (الشاباك)، وفشله في دفع الخليلي إلى خيانة وطنه مصر.
في نهاية الحرب تفرغ ليهود لملاحقة الخليلي الذي "خانه" والحصول على جهاز الإتصال والقبض على الشبكة التي نفذت العمليات في اليوم الثاني من الحرب في العريش. فقام باستدعائه إلى مكتبه، إلا أن الخليلي لم يأت. ولم يبادر ليهود إلى تنفيذ عملية اعتقال خشية أن يهرب، فانتظر عدة أيام أخرى، إلى أن قدم الخليلي بنفسه في 8 نوفمبر، وعلى الفور تم اعتقاله وتحويله إلى التحقيق.
في التحقيق أكد الخليلي للمحققين أنه عندما سافر إلى مصر قرر ألا يخون وطنه. وأنه قد تم تجنيده بالفعل للعمل مع المخابرات المصرية، وألقيت عليه عدة مهام لتنفيذها في العريش، من بينها تنظيم شبكات إستخبارية وأخرى لتنفيذ عمليات. كما خضع لتدريب يومي في القاهرة لمدة 5 شهور. وفضلاً عن عمليات الرصد، فقد تم تدريبه على صنع العبوات الناسفة، وطرق جمع المعلومات دون إثارة الشبهات. وتعلم تشفير وبث التقارير بواسطة إشارات "موريس" عن طريق جهاز إرسال صغير. كما تم الإتفاق معه على تلقيالتوجيهات من القاهرة بواسطة إذاعة "صوت العرب" في إطار برنامج سلامات وأغان إلى "عبد الهادي من العريش المحتلة". كما تبين أنه جرى نقل جهاز الإتصال ووسائل قتالية ومبالغ مالية لتمويل عمل الخلايا إلى الخليلي بعد عودته من القاهرة عن طريق صيادي الأسماك من بدو سيناء.
وفي أعقاب اعتقال الخليلي تم اعتقال 27 آخرين من أعضاء الشبكة، كان من بينهم سعد جلبانة. إلا أنه تم الإفراج عن غالبيتهم بعد بضعة شهور نظراً لعدم كفاية الأدلة، أو لعدم توفر أدلة تكفي للحكم عليهم سنوات طويلة. أما الخليلي وجلبانة فقد أعدت لوائح اتهام خطيرة ومفصلة ضدهما، بيد أنه تم الإفراج عنهما في عملية تبادل أسرى بعد الحرب، وعادا إلى مصر. ومن المرجح أنهما يعيشان اليوم في العريش
أحمد أبوحسين
مدير موقع عرب 48
نشرت بالكرامة 15-10-2006

Labels:

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

eXTReMe Tracker