د . رشاد الشامي .. رحيل عالم كبير
أحمد الخميسي : د . رشاد الشامي .. رحيل عالم كبير
التاريخ: الثلاثاء 24 أكتوبر 2006الموضوع: مقالات
فارقنا الدكتور رشاد الشامي رئيس قسم اللغة العبرية بكلية الآداب جامعة عين شمس في صمت كعادة العلماء . في عدد سابق من أخبار الأدب جاءت تغطية لندوة شارك فيها د . الشامي قبل أسبوع ، وتحدث فيها عن غياب المعايير الموضوعية في تصنيف الرسائل الجامعية العلمية . جاء رحيله يوم السبت 14 أكتوبر ، عقب إصابته بجلطة في القلب تبعها نزيف حاد أدى لغيبوبة تامة . لم ألتق به شخصيا ، لا في ندوة ، ولا في مكان عام ، لكنني حسبته ضمن أصدقائي المقربين الذين أحتفظ بهم بداخلي من دون أن ألتقي بهم . الدكتور الشامي بدأ رحلته العلمية مبكرا ، حين توالت مقالاته منذ عام 1968 عن الصهيونية والسياسة الإسرائيلية في مجلة السياسة الدولية ،
ثم شارك بعد ذلك في تأسيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام عام 1969 مع الدكتور عبد الوهاب المسيري ود . أسامة الباز . وامتد نشاطه على مدى أكثر من ثلاثين عاما من دون توقف ليغطي القضية ذاتها من مختلف جوانبها السياسية والثقافية ، وله دراسة نادرة عن " الشخصية اليهودية في أدب إحسان عبد القدوس" عام 1992 ، أكد فيها مرة أخرى أن الظاهرة الصهيونية ظاهرة متشابكة ذات أبعاد مختلفة ينبغي دراستها في مختلف حالاتها . شغل منصب رئيس قسم اللغة العبرية بجامعة عين شمس على فترات متباعدة ، أشرف خلالها على تخريج أساتذة من الدارسين في المجال ذاته من أبرزهم د . أحمد حماد ، ود . محمد عبود ، وغيرهما . ويؤكد الجميع أن له فضلا كبيرا على كل دارسي الأدب العبري في مصر وغيرها . ورغم أن الدكتور رشاد الشامي أمد المكتبة العربية بأكثر من 22 عملا مرجعيا في مجال جديد ، لا يعمل فيه سواه مع الدكتور المسيري، إلا أنه لم يلق أي تكريم رسمي ، ولا شعبي في حياته ، ولم يكن يوما نجما من نجوم المجالس الثقافية ، لأنه تخير البحث والعمل على قضية شائكة لا تعد ضمن القضايا المهذبة التي تفضلها المجالس لكونها قضايا لا تخدش الفكر والواقع . ويؤكد المقربون من الدكتور رشاد الشامي أنه كان يعاني من مشاعر الإحباط لأسباب كثيرة منها غياب الدعم الحكومي للبحث العلمي وأنه كان يعزي نفسه فقط بطلبته المنتشرين في العالم العربي ، حيث قام بتعليمهم في جامعات الجزائر والكويت والعراق . ولم تكن له سوى عبارة واحدة يكررها للمقربين منه : " امنحوا الجيل الجديد فرصة للتعبير عن نفسه " . ولد الدكتور رشاد الشامي في 5 يناير 1943 بمحافظة كفر الشيخ ، في أسرة فلاحية متوسطة الحال ، وتخرج من جامعة عين شمس ، وحصل على الدكتوراه عام 1973 ، وعكف على عمله بهدوء بعيدا عن الضجة والصحف إلي أن خرج على المعاش منذ أربعة أعوام دون أن يتوقف عن العطاء . من أعمال الدكتور الشامي التي تجاوزت 22 عملا مطبوعا عدا أربعة تحت الطبع كتاب:" لمحات من الأدب العبري " عام 1978،وكتاب آخر بالغ الأهمية هو : " الفلسطينيون والاحساس الزائف بالذنب في الأدب الإسرائيلي " عام 1988 ، وكتاب " القوى الدينية في إسرائيل " عام 94 وقد نشرته سلسلة عالم المعرفة وتجاوز عدد النسخ المباعة منه مائة وعشرون ألف نسخة ، ثم " الحروب والدين " 1998، وعمله الكبير " موسوعة المصطلحات الدينية اليهودية " عام 1999، وكتاب " الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية " صدر عن دار الهلال أواخر 2002 ، ثم " تفكيك الصهيونية في الأدب الإسرائيلي " 2003 . وكانت له في موضوع الثقافة الإسرائيلية نظرة واضحة عبر عنها بقوله : " إن الثقافة الإسرائيلية غير مؤهلة لصنع سلام حقيقي لأنها تقوم على مفاهيم دينية عنصرية تعتبر الآخرين دون الآدميين ، فكيف يمكن لهذه السموم أن تصنع سلاما ؟ " . وكان الراحل الكبير ينطلق في كل ما يبذله من جهد ، وكل ما يكتبه من حقيقة عداء الصهيونية الأصيل كمشروع استعماري للعرب ، وأن الصراع ضدها معركة لابد أن نخوضها من أجل المستقبل . وفي كتابه " الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية " يتوقف د . رشاد الشامي أمام الدوافع العدوانية في تلك الشخصية التي شكلتها عوامل عدة منها الاسترشاد المستمر بالروح العدوانية في التراث الديني اليهودي ، والروح العدوانية في الفكر والممارسة الصهيونية ، وعسكرة المجتمع الإسرائيلي واتخاذه القسوة نموذجا ، ثم – وهو الأهم – الطابع الاستعماري لتلك الدولة ودورها في خدمة المصالح الأمريكية . وبينما شغل الكثيرون أنفسهم بقضايا عديدة فرعية ، جعل د . رشاد الشامي حياته كلها وقفا على مكافحة الصهيونية بدراستها وتعريتها وتمكين القارئ من جوهرها باعتبارها قضية مركزية ، ثم رحل في صمت ، كعادة العلماء ، تاركا لمن تعلموا على يديه مواصلة الطريق .
***أحمد الخميسي . كاتب مصري
نشر المقال بمجلة أخبار الأدب
22-10-2006
Labels: ما كنتُ أحسبُ قبل دفنِك في الثرى أن الكواكب في التُراب تَغُور
0 Comments:
Post a Comment
<< Home