Tuesday, January 15, 2008

أم الرشراش..أولا


رجال الدين اليهود أنفسهم منقسمون، ويدور بينهم جدل فقهي واسع حول أم الرشراش. يرى أغلبهم أنها مدينة مصرية. فكرتهم بسيطة، المدينة لا تقع ضمن حدود أرض إسرائيل الكبرى. وبالتالي، الاحتفاظ بها مثل عدمه.
أكيد تبادر لذهنك سؤال بديهي. لكن "إسرائيل الكبرى" من النيل للفرات. هكذا تعلمنا ورددنا. وصرنا نحذر أنفسنا، يوميا، من مؤامرة الإسرائيليين الذين اختاروا لسفارتهم مقرا في الجيزة غربي النيل. ليذكرونا دائما أن جيوشهم قادمة لافتراس أراضينا!

الكلام شائع لكنه غير دقيق. فالحدود الشمالية لـ"إسرائيل الكبرى"محسومة في العقيدة اليهودية، وهي نهر الفرات. أما الحدود الجنوبية فهي فرع قديم من النيل وصلت مياهه إلى المنطقة المعروفة اليوم باسم العريش. ويعتبر التيار الرئيسي بين الفقهاء اليهود أن الحدود الجنوبية هي الخلجان الثلاثة: إيلات والعقبة والسويس. والحدود الغربية هي البحر المتوسط. أما الحدود الشرقية فهي شبه الجزيرة العربية. يستند الحاخامات في ذلك إلى الحدود التي رسمتها التوراة لما يعرف بمملكة داود وسليمان، والمناطق التي سكنها العبرانيون القدماء.

الأهم أن اليهودية تهتم جدا بمركزية الأماكن المقدسة. فهي تعتبر القدس مركز الكون، خلقها الرب، قبل أن يخلق ظهر البسيطة. والقدس أو أورشليم تندرج تحت بند المثنى في اللغة العبرية. فهي، حسب العقيدة، مدينتين: الأولى في السماء والثانية على الأرض. يربط بينهما سلم مرمري، تستخدمه الملائكة صعودا وهبوطا حاملة أوامر الرب. واستخدمه النبي اليهودي إلياهو في أول معراج سجلته الكتب الدينية.

"مركزية أورشليم" جرت في إثرها شعائر وطقوس دينية. فمن يدفن داخل حدود "أرض إسرائيل" يدخل الجنة رأسا، ومن يدفن خارجها يمر على ملائكة العذاب. وكان يهود شرق أوروبا في القرن الثامن عشر يدفعون أموالا طائلة للحاخامات مقابل دفن صكوك تحمل أسماؤهم وأسماء أمهاتهم في فلسطين، لكي يغفر لهم ما تقدم وتأخر. واليوم تعتبر الحاخامية الكبرى في إسرائيل من يدفن في إيلات، كأنما دفن خارج "حدود إسرائيل"!
ويفتون بأن أم الرشراش أو إيلات خارج حدودهم الدينية لأن النبي يشوع بن نون لم يحتلها. ولم يسكن فيها عبرانيون قدماء. لذلك على سكانها الاحتفال بالأعياد اليهودية بعد 24 ساعة من توقيتها باعتبارهم يقيمون خارج أرض إسرائيل.
باختصار الصهيونية الدينية لا تمانع كثيرا في التنازل عن أم الرشراش. المانع الحقيقي لدى التيار العلماني الحاكم في إسرائيل الذي يعتبر احتلال المدينة مسألة جغرافية سياسية، وعسكرية اقتصادية.
فباحتلال أم الرشراش انقطع التواصل البري بين الدول العربية في شرق البحر الأحمر وغربه. وأصبحت تحت السيطرة الصهيونية. ولا يحتاج الأمر إلي جهد كبير لمعرفة الآثار الاقتصادية والعسكرية والسياسية لوجود هذا العائق. وباحتلال المدينة قضت إسرائيل على فرضية أن البحر الأحمر "بحيرة عربية", بكل ما لهذا من تداعيات علي حماية الحدود البحرية شديدة الامتداد لمصر والسعودية والسودان واليمن.
وباحتلالها، حصلت تل أبيب على منفذ يطل على البحر الأحمر، وصار بإمكانها اليوم أن تطرح مشروعا بديلا لقناة السويس بمشروع قناة "إيلات" - البحر الميت. والأخطر أن الوجود الإسرائيلي في البحر الأحمر يسمح لقواته البحرية بتهديد العمق الجغرافي لمصر والسعودية والسودان.
كل هذه الأهداف كانت في ذهن بن جوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي. عندما أمر وفده بالتفاوض مع المصريون على الهدنة في رودوس 10 مارس 1949. وأصدر أوامره في نفس الوقت لعصابات يقودها إسحاق رابين لاحتلال أم الرشراش، وفرض الأمر الواقع على القاهرة. اقتحم رابين "شهيد السلام" المدينة. واغتال جميع أفراد وضباط الشرطة المصرية- 350 شهيدا. بالرغم من أن عصابته دخلت المدينة دون طلقة رصاص واحدة لالتزام قوة الشرطة المصرية بأوامر القيادة بوقف إطلاق النار. وأظن أنه قد آن الأوان للمطالبة بمدينة مصرية، فرطت فيها كامب ديفيد ، استجابة لمطلب الكيان الصهيوني بالحصول على منفذ علي البحر الأحمر.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

eXTReMe Tracker