Saturday, January 12, 2008

مقبرة باتساع الوطن

يعيش المصريون في مقبرة باتساع الوطن. صار الموت غرقا لا يرعب شبابا في مقتبل العمر. يسافرون هربا من الفقر والجوع والبطالة، يستقلون نعوشا عائمة. يحدوهم الأمل في الوصول إلى بر الأمان. ربما تكون أرصفة إيطاليا وتركيا أحن وأرحم من الموت قهرا وكمدا. ربما تكون قبضة البوليس الإيطالي حريرية بالمقارنة مع هراوات الأمن المركزي.
صار الموت حليفا للمصريين، في العبارة موت، في أقسام الشرطة موت، على الحدود مع إسرائيل موت، حتى طعامهم المسرطن يحمل لهم الموت.
ربما كان هذا هو التفسير الوحيد للصمت المطبق الذي خيم على المصريين بعد الكشف عن مقبرة جماعية لجنود مصريين في إيلات. كفت الصحف الرسمية على الخبر ماجور. ترددت صحف خاصة في نشره حتى بثته وكالة الأنباء الرسمية. شهداؤنا في حاجة لقرار رسمي لكي يعلن عنهم! بقرار خرجوا دفاعا عن الوطن، وخوفا من قرار تأخر الإعلان عن صرخة رفاتهم المحتجزة في إسرائيل يعبث بها الحاخامات وخبراء الآثار في تل أبيب!

صورة المقبرة الجماعية في إيلات

عرف الخبر أخيرا طريقه للنشر، ومع ذلك خيم الصمت على الجميع! الحي أبقى من الميت في هذا الوطن، فالحي ميت في هذا الوطن، والموتى لا يصرخون. رفاتهم فقط تبقى، وتصر على مواجهتنا بالحقيقة، أم الرشراش مصرية، استشهد فيها جنود عرب دافعوا عن الوطن، وفرطت فيها اتفاقيات.
عمال الحفر الإسرائيليون عكفوا على وضع أساسات لمقبرة يهودية جديدة بالمدينة المصرية، تفجرت لهم الأرض معلنة عن أصحابها، تسمروا أمام بقايا جثامين مصرية، وملابس شرف عسكرية، ومصحف صغير. أبلغوا السلطات الإسرائيلية التي أعلنت أن الرفات والمتعلقات العسكرية تعود لجنود مصريين أو أردنيين حاربوا في (أم الرشراش) عام 1948.
كلما توسع العمال في الحفر، كلما اكتشفوا رفات جديدة. كم هو مرعب ما نشر في يديعوت أحرونوت، ولم تنقله جريدة مصرية حتى الآن. يقول العامل "شالوم لاشام": "عند الظهر، اكتشفنا العظام الأولى. كنا نحفر باللودرات..اصطدمنا بصخرة أعجزتنا. توقفنا لنواصل الحفر بأيدينا، فصعقنا عندما أخرجنا ذقنا بشرية تبرز منها أسنان، واصلنا الحفر من جديد، فنجحنا في إخراج جمجمة وعظام فخذ. ووجدنا إلى جوار العظام سكينا، وخنجرا عربيا".


كم هو مرعب أن تشعر بالعجز أمام شهدائك. وتنظر حولك لترى حكومة غير قادرة، على حماية الشعب وهو حي، فكيف تتدخل لتحميه وهو ميت. إسرائيل تفتعل الأزمات مع القاهرة يوميا، وتصر سنويا على إرسال بعثات عسكرية على سيناء بحثا عن رفات جنود إسرائيليين لقوا مصرعهم في سيناء خلال حرب أكتوبر. تل أبيب تملأ الدنيا ضجيجا بحثا عن رفات قتلاها. ويبدو أن شخصا ما في الحكومة المصرية يخشى المطالبة بإرسال خبراء مصريين لموقع الحفريات، وحصر رفات الشهداء، وتكريمها بالدفن.

لا أشك أن وزير الخارجية أحمد أبوالغيط وصله من خلال أجهزة المتابعة الطريقة التي تعامل بها الإسرائيليون مع رفات جنودنا. العامل الإسرائيلي "شالوم لاشام" يحددها بوضوح تقشعر له الأبدان: "راكمنا العظام الآدمية على سور قصير مجاور حتى تأتي الشرطة الإسرائيلية، وتحدد ما العمل". "إيلي كمحي" رئيس جمعية تكريم الموتى في إسرائيل، رفض في البداية اعتبارها بقايا جثث. إيلي حاخام يعتبر اليهود بشر وما عداهم ليسوا كذلك.

والمنطقة التي تضم رفات جنودنا، تقع تحت سيطرة المجلس الديني الإسرائيلي بإيلات، وهو مجلس يتألف من رجال دين يهود يشرفون على مقابر المدينة. بعبارة أخرى المقابر خاضعة لسيطرة حاخامي إيلات موشيه هداية، ويوسيف كات. وهم صاحبا القرار والتصرف في الموقع والرفات، ومهمتهم الآن إصدار رأيهم الفقهي بخصوص المنطقة، هل هناك شرعية لدفن جثامين يهودية في مقبرة تضم جثامين للأغيار!! موتانا في حوزة الحاخامات حتى يتحرك ساكن في القاهرة، حتى يتحرك ساكن في مدينة الموتى.

5 Comments:

At 11:41 PM, Anonymous Anonymous said...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
احنا الدم العربي لا طعم ولا لون ولا رائحةو لا كرامة وهو فوق التراب فما بالك لو كان تحته.انت قولت قبل كده ان سيناء اصبحت مستعمرة ولكن الحاصل ان الوطن العربي كله اصبح مستعمر لاسرائيل وحلفائها .
شهدائنا السلام عليكم اهل الديار انتم السابقون واحنا سبقناكم من زمان.
وشكرا

 
At 11:48 PM, Anonymous Anonymous said...

ممكن تعليق بس :ياريت لو تغير الاغنيةاللي انت منزلها لان مرسيل خليفة بغني فيها بعض من ايات القران
وشكراليك يا استاذ محمد

 
At 1:34 AM, Blogger أخف دم said...

السلام عليكم
ازيك يا محمد كل سنة وانت طيب
وحشتنا كتاباتك بجد
ووحشنا وجودك وعارف انشغالك بالجرنال,, بس اللى متعرفوش انى معاك فى نفس الجرنال..عايز اشوفك عن قريب
وإلى لقاء إن شاء الله

 
At 6:52 PM, Blogger aboud said...

شمس: حاضر هغير الأغنية بس ساعدينيفي اختيار اغنية حلوة زيها
تحياتي

 
At 6:53 PM, Blogger aboud said...

أشرف: وانت طيب يا قمر، واحشني جدا، ووحشتني كتاباتك..ومش متخيل فرحت قد ايه لأنك بتكتب مع ايفون الجورنال هينور بخفة دمك يا شاعر يا جميل

 

Post a Comment

<< Home

eXTReMe Tracker