Monday, May 07, 2007

أسطورة هيكل

هكذا تحدث العدو عن الأستاذ

الموساد عكف على ترجمة مقالاته فور صدور الأهرام..وخروجها إلى منافذ التوزيع


رئيس تحرير أسطوري ..ودوره في صياغة الرأي العام العربي متواصل عبر الأجيال



حدود إسرائيل الآمنة، في رأيه، معبد يهودي واحد في تل أبيب..وعشرة أمتار حوله


عندما نتصدى لدراسة التوجهات العامة لدى الشعوب العربية قبل عام 1967، يمكننا أن نلاحظ عددا من اللاعبين الرئيسين الذين اضطلعوا بمهمة صياغة الرأي العام العربي. ووضعوا البنية الأساسية لفكرة إن: (تصفية "دولة إسرائيل"، ليست ممكنة فحسب، بل إنها أمرا سهل وميسور في ضوء التفوق الكمي العربي بالمقارنة مع إسرائيل، سواء على صعيد أعداد السكان، أو قطع السلاح).
ولا تبدو هذه الأطروحة منبتة الصلة عن الخطاب العربي الحماسي إزاء إسرائيل في الوقت الراهن، رغم مرور عشرات السنين على حرب يونيو 1967. فقد ظل إدعاء هؤلاء اللاعبين الرئيسين رائجا في الأدبيات العربية، ومفاده: "ليس من المنطقي أن تصمد دولة صغيرة مثل "إسرائيل" لفترة طويلة في مواجهة القوى العربية". لكن ما بدا غير منطقي في الخطاب البلاغي العربي، ثبت أنه منطقي ليس فقط فيما يتعلق بإسرائيل، وإنما فيما يتصل بجميع الصراعات المسلحة التي اندلعت في "الشرق الأوسط"، دون أن يكون لها أدنى علاقة بالصراع العربي- الإسرائيلي.
ويمكننا حصر اللاعبين الرئيسين والحكومات التي لعبت دورا مهما في بلورة الرأي العام العربي، وإلهاب حماس الجماهير، وتثبيت اعتقادهم بإمكانية تصفية "إسرائيل" في أربعة عناصر: أحمد سعيد: مذيع ومدير محطة صوت العرب، وأحمد الشقيري: مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية، وكان خطيبا مفوها، ويقال أن عباراته كانت تجمد الدماء في العروق، وحكومة البعث اليسارية في سوريا التي تولت الحكم عام 1966، ورفعت شعارات حرب التحرير الشعبية، ومحمد حسنين هيكل رئيس تحرير جريدة الأهرام، وكاتم أسرار عبد الناصر.
ويناقش هذا المقال دور محمد حسنين هيكل كاتم أسرار عبد الناصر، ورئيس التحرير الأسطوري الذي تولى مسئولية صحيفة الأهرام. فقد أضفى هيكل من خلال مقالاته المطولة والغزيرة عمقا ثقافيا وفكريا على خطاب عبد الناصر، وشرح بأسلوب سلس وواضح للجماهير العربية، لماذا يجب تصفية "دولة إسرائيل" على يد مصر- وما هي الشروط الملائمة لتحقيق ذلك؟
محمد حسنين هيكل
من مواليد 1923، بدأ عمله الصحفي، وهو في الثامنة عشرة، كانت محطته الأولى مجلة "روزا اليوسف" الأسبوعية. وبدأ هيكل الكتابة في أخبار اليوم عام 1945، ثم انتقل للعمل مراسلا عسكريا لصالح مجلة آخر ساعة عام 1948، وفي إطار مهمته الصحفية رافق المتطوعين المصريين الذين سافروا للمشاركة في الحرب الدائرة في فلسطين. وجذبت مقالات هيكل التي تناولت الشئون الأمنية والعسكرية، أيضا، انتباه "الضباط الأحرار" الذين قاموا بـ"انقلاب الضباط" في مصر عام 1952. واتصلت الخلية السرية التي تشكلت في مطلع الخمسينيات بمحمد حسنين هيكل، وشارك الرجل في كثير من المناقشات التي دارت داخل مقر قيادة "الانقلاب". و نشأت، منذ ذلك الحين، أواصر صداقة عميقة بين هيكل وعبد الناصر، تلك الصداقة التي استمرت حتى وفاة ناصر عام 1970.

الصفحة الأولى من الدراسة

وفي أعقاب "الانقلاب" تم تعيين هيكل رئيسا لتحرير مجلة آخر ساعة، وعلى صفحات هذه المجلة عَبَّر هيكل عن الخط السياسي الذي تبناه "الضباط الأحرار" والذي ما لبث أن تبلور في تلك الفترة. وانتقل هيكل بعدها لإدارة تحرير صحيفة "الأخبار"، وتمكن من تحويل الجريدة إلى منصة للتعبير عن الأحداث التاريخية الكبرى التي مرت بها مصر آنذاك: بدءا من "حرب 1956"، ونهاية بانعكاسات الحرب الباردة بين القوى العظمى عام 1957. وتم اختيار هيكل رئيسا لتحرير الأهرام، تلك الصحيفة اليومية التي تأسست عام 1875. وغدت الأهرام بقيادة هيكل أهم جريدة في "العالم العربي" بأسره، وأصبحت الجريدة العربية الوحيدة التي يتابعها العالم كله عن كثب. وتمكن هيكل، بفضل علاقته مع عبد الناصر، من تحويل الأهرام إلى أحد المراكز الصحفية العصرية، والحريصة على مواكبة أحدث التطورات في العالم. ونجح هيكل في جمع خيرة مفكري مصر داخل مبنى الأهرام: أدباء، وصحفيين، ومثقفين ينتمون لمختلف التيارات الفكرية. واستعانت هذه النخبة بالمكتبة المتجددة داخل المبنى، وبمركز الدراسات، وبأجهزة الكومبيوتر. وأمسى هيكل، بسبب القرب الشديد بينه وبين عبد الناصر، واحدا من أكثر الأشخاص تأثيرا داخل مصر، وخارجها، فقد رافق عبد الناصر، في مناسبات كثيرة، أثناء جولاته الخارجية. ويمكننا الإشارة إلى سببين جعلا من هيكل قصة نجاح ماثلة في الأذهان: الأول، علاقته مع عبد الناصر التي تجاوزت بكثير مجرد صداقة وطيدة بين صحفي وزعيم سياسي، والثاني: مهارته الهائلة وتمكنه من فن الكتابة الصحفية. وقد تحول هيكل، بمرور الوقت، إلى "مركز قوى" لدى عبد الناصر، وصار وزيرا للإرشاد القومي عام 1970. ولم تغرب شمس الصداقة بينهما حتى اللحظات الأخيرة في حياة ناصر، وقتها ظل هيكل مرابطا بجوار فراش الرئيس حتى رحيله(1).

نشرت مقالات هيكل المطولة كل يوم جمعة، وكان يقدم من خلالها تعليقه وتفسيره للأحداث وفقا للرؤى الأيديولوجية التي اعتنقها عبد الناصر. وبدا أن هيكل المعلق السياسي الأقرب لفهم عبد الناصر بسبب الصداقة التي جمعت بينهما، واكتسب هيكل، من هذه الزاوية، قوة بالغة في الأوساط الجماهيرية، فكل ما يكتبه هيكل، كأنما قاله عبد الناصر بنفسه. وعكفت الاستخبارات الإسرائيلية وعدد من أجهزة الاستخبارات الغربية، على مدار سنوات طويلة، على ترجمة مقالات هيكل المطولة، لوضعها على طاولة صناع القرار صبيحة كل جمعة، فور صدور الجريدة، وخروجها إلى منافذ التوزيع.

المراجع
--------------------------
(1- راجع: شموئيل سيجف، ملحق بعنوان: "مكانة هيكل في النظام الناصري"، ضمن كتاب لشمعون شامير بعنوان: "تراجع الناصرية 1965- 1970: غروب شمس حركة الخلاص"، تل أبيب، إصدارات الجامعة، 1978، ص: 145- 151).

---------------------------
جزء من الدراسة الإسرائيلية عن هيكل

Labels:

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

eXTReMe Tracker