Saturday, August 12, 2006

موقع المشاهد السياسي


أنا من اليهود: صرخة عراقي ضد القهر الثقافي!

المجلّة: الهلال
رئيس التحرير: مجدي الدقاق
الناشر: دار الهلال ـ القاهرة ٢٠٠٦

صدر عدد الهلال الأخير وفي غلافه موضوع مهمّ وجريء عن كاتب يهودي عراقي شاب هو ألموج بهر، يشرح في قصة له العنصرية الإسرائيلية بحق اليهود الشرقيين، فهو كاتب يصرخ: أنا من اليهود! وقد احتل هذا العنوان غلاف الهلال.
بتشجيع من أصدقاء أعزاء، وثقة في أهمية القصة، ومقدار الوعي المتراكم عن الأدب العبري بجهود أساتذة أجلاء، مثل د. رشاد الشامي أستاذ الأدب العبري بجامعة عين شمس، قرّر المترجم محمود عبود أن يترجم هذه القصة ويقدم لها بدراسة وافية، لتكون بمثابة إضاءة للنص الذي ينطوي على قدر من الخصوصية الثقافية، التي تميّز المجتمع الإسرائيلي. وهو مجتمع هجرة يحتضن جماعات سكانية من مشارب، وثقافات متعدّدة، أخضعوا منذ عام ٤٨ لسياسة «بوتقة الصهر» التي سعت بكل قوة لدمجهم قسرياً في نسيج ثقافي ـ اجتماعي ملفّق على مدى أكثر من نصف قرن، «كل ذلك لكي ننتج كلنا نغمة واحدة، صداها مبحوح، وننتحل لغة أخرى غير موجودة ـ أنا من اليهود» على حد تعبير بهر. وتأتي هذه القصة التي حظيت باعتراف رسمي إسرائيلي لتفضح هذه السياسة، وتتمرّد عليها، وتقدم بُعداً أدبياً لحركات احتجاج سياسي أسّسها اليهود النازحون من الدول العربية، مثل حركة الفهود السود في الـ٨٠، ومظاهرات ضد التمييز الاجتماعي لصالح اليهود الأوروبيين، رفعت شعار «إشك ـ نازي» في إتهام صريح للإشكناز بالنازية، والتعامل الفوقي مع اليهود الشرقيين مواطني الدرجة الثانية في إسرائيل. والآن إلى قصة «أنا من اليهود».
أن تقص، أو تحكي، يعني أن لديك «خبراً» يهم الآخر ـ كما يهمك ـ أن تنقله إليه، ولأن أهمية هذا الخبر، هي حسب المترجم، محض افتراض في ذهنك أنت، وقد يكون بال الآخر فارغاً منه، فلا بد من أن ينطوي قصّك الخبر على سمات خاصة به، تعمل كضامنة لإيجاد تلك الأهمية. وكلما تداخلت سمات القصّ الأدبي، وإعلام الخبر إلى حد الالتباس بينهما، كلّما انعدمت أي إمكانية لتمييز أحدهما عن الآخر، هنا نكون أمام «أدبية» القصّ.
وليس هناك شك في أن الأدب، يشكل واحداً من أهم السجلات المعرفية التي يمكن الاستناد إليها في استقاء المعلومات عن التكوينات الباطنة في مجتمع من المجتمعات، والتي يصعب في كثير من الأحيان رصدها عبر سائر المصادر المعرفية المباشرة، من كتابات سياسية واجتماعية وفلسفية، وما شاكلها. وذلك لأن الأديب بوصفه فناناً أي كائناً ذا حساسية شعورية خاصة.. مؤهّل بهذه الحساسية لالتقاط خفايا الحركة الباطنة من محيط المجتمع، وسماع نبضاتها الهامسة عبر آذان رادارية، وعين مجهرية. الأمر الذي يوفر للعمل الأدبي ثراء وفيراً من الحقائق والمعلومات التي يمكن للباحثين التقاطها، وجمعها وتنسيقها وربطها بمعارفهم السابقة عن الواقع الاجتماعي موضوع العمل الأدبي، ومحلّ البحث. ولكل هذه الأسباب، ولغيرها يمكننا الاعتماد على قصة «أنا من اليهود» في كشف أحد الجوانب الخطرة في المجتمع الإسرائيلي، متمثّلاً في إشكالية الهوية التي تهدّد بتفجير صراعات، وتمرّدات على محاولات تسييد ثقافة معينة في هذا المجتمع على حساب ثقافات فرعية أخرى.
تدور القصة باختصار شديد حول شخص «يهودي شرقي» من أبناء الجيل الثالث أو الرابع، أي أنه لم يتعلم اللغة العربية في القاهرة، ولا صنعاء ولا «بغداد» التي تعود جذوره إليها. اندمج آباؤه وأجداده في المجتمع الإسرائيلي الذي تحتل فيها ثقافة اليهود الأوروبيين المرتبة الأولى، وتعرف بالثقافة الإشكنازية أو الغربية. كان لقاء المهاجرين القادمين من بلاد الشرق إلى المجتمع الإسرائيلي لقاء صدمة. فقد تكشف لهم فجأة أن ثقافتهم اليهودية الأصيلة بدلاً من أن تكون جسراً، شكلت حاجزاً بينهم وبين المجتمع الجديد. فهي تثير الاحتقار والعداء، كما أن حاملي هذه الثقافة يوصفون بأنهم أقلّ شأناً وغرباء على المجتمع الجديد. وهو ما تسبّب لهم بظهور ما عرف بـ«أزمة هوية»، وهذه الأزمة تكشف عن عمق الهوّة بين أجزاء التلفيق الثقافي الذي مارسته الصهيونية، لتقيم مجتمعاً استيطانياً استعمارياً على أساس من الدين.

نقلا عن:

http://www.almushahidassiyasi.com/ar/8/1799/

Labels: ,

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

eXTReMe Tracker