Monday, August 07, 2006

الهنود الحمر خمسمائة عام من العزلة


البيض يقولون للهندي الأحمر: "تعال يا ولد" حتى لو كان عجوزا في السبعين".



أكثر ما يحبه البوليفيون في "موارليس" أنه رئيس يفي بوعوده، فعقب فوزه بالانتخابات وقف في شرفة قصر الرئاسة مرتديا بذلة رياضية زرقاء، واحتشد لسماعه آلاف البوليفيين. قال بالحرف: "اليوم هو أعظم أيام "بوليفيا" صاح بانفعال وتأثر شديدين: "اليوم نغير مجرى التاريخ، أسقطنا النموذج "الكولونيالي" و"النيو ليبرالي" اللذين تسببا في تدمير الدولة...آن الآوان لاستعادة "كرامة" بوليفيا، وثرواتها الطبيعية". ونفذ "موارليس" وعده الأسبوع الماضي، حين أمم آبار النفط في ذكرى تأميم "عبدالناصر" لقناة السويس.

ليس صعبا أن تدرك لماذا يحظى هذا الرجل ذو الشعر الأسود الفاحم بهذا القدر من الحب والتقدير في بلاده وخارجها. ففي الانتخابات التي أجريت في ديسمبر 2005 فاز بـ 54% من الأصوات، في الانتخابات التي شهدت أكبر نسبة تصويت في تاريخ البلاد. وعُرف في العالم كله بوصفه أول رئيس "هندي أحمر" لبوليفيا التي تشكل قبائل الهنود فيها بين 60- 80% من عدد سكانها. "موارليس" يبدأ يومه في الخامسة صباحا، ولم يمن على الشعب بذلك، بل قرر في اليوم الأولى لتوليه منصبه أن يخفض راتبه إلى النصف (1800) دولار، رغم أن مظهره البسيط والمتواضع دفع بعض الصحفيين الأمريكيين لاستفزازه بعد ظهوره مع الرئيس شيراك، ورئيس وزراء أسبانيا، وغيرهم من الزعماء بنفس "الجاكت" الصوف الأصفر. فرد بأنه أول جاكيت وجده في "الدولاب" قبيل سفره لأوروبا.
"موراليس" شخص متواضع محب للحياة، (47سنة)، يقول المقربون منه أنه مؤهل للقيادة بالفطرة، ويعرف ألف طريقة وطريقة للعب السياسة. وسيم وخفيف الظل لا يتورع عن مشاكسة النساء وقد لاتنتهي المسألة عند حد الرقص معهن. فلديه سبعة أولاد من أربع نساء لم يتزوج واحدة منهن. ودائما يقول: سهل جدا أن تحكم دولة، ومستحيل أن تتحكم في إمرأة".


يصفه أتباعه بالرئيس موراليس ابن البلد، فهو ينتمي لقبائل الهنود الحمر التي تقود ثورة سياسية هائلة في بوليفيا، ثورة لم تحدث منذ الاحتلال الأسباني قبل 180 عام. ولكي نفهم العمق الاجتماعي والاقتصادي لهذه الثورة من المفيد أن نتأمل العاصمة "لاباس" أو المنطقة المحيطة بها عند سفح الجبل التي تحولت بمرور الزمن إلى مدينة "إل ألطو" وفي هذه المدينة يعيش حوالي مليون نسمة جميعهم من الهنود الحمر الذين هاجروا إلى المدينة بحثا عن مصدر للرزق. في "إل ألطو" لا يوجد طرق مرصوفة، ولم تدخل المياه والكهرباء والغاز البيوت على الرغم من أن بوليفيا تمتلك أكبر احتياطي غاز طبيعي في القارة بعد "فنزويلا". ناهيك عن عدم وجود شبكة صرف صحي أو خدمات صحية حقيقية.
لكن الثورة التي تجسدت في اختيار "أيفو موراليس" رئيسا للبلاد أكبر من أي تصور، خاصة وأنها ترمز لدخول ملايين الهنود الحمر إلى المجال المرئي، بعد أن أصبحوا في منطقة يستحيل معها تجاهلهم. فعلى الرغم من أن الهنود الحمر هم الغالبية العظمى من سكان "بوليفيا" البالغ عددهم 9 ملايين نسمة، لكن لا توجد في العاصمة لافتة واحدة بلغتهم الأم، جميع اللافتات والمعاملات الرسمية تتم بالأسبانية. وحتى منتصف العشرينيات حرموا من حق التصويت، وعانوا من تمييز عنصري لم يتم تجاوزه حتى اليوم. ويقول الناشط الاجتماعي والصحفي البوليفي "لويس جومس": "الوضع في بوليفيا يذكرك بجنوب الولايات المتحدة الأمريكية قبل ظهور "مارتين لوثر كينج"، أي شخص من قبائل "أيامارا" لا يستيطع أن يتزوج بإمرأة بيضاء. وإذا دخل هندي أحمر يرتدي الثياب التقليدية إلى المطعم فمن المؤكد أن أحدا لن يقدم له "الطلبات"، وسيلمحون له بألف طريقة وطريقة أنه غير مرغوب فيه داخل المكان. ومازال البيض ينادون على الهندي الأحمر بكلمة "تعال يا ولد" حتى لو كان عجوزا في السبعين".
لكن الهنود الحمر تعلموا قواعد اللعبة في السنين الأخيرة، وبدأوا المطالبة بحقوقهم. ففي البداية طلبوا تقنين زراعة نبات "الكوكا"، وتأميم الثروات الطبيعية لصالح المواطنين خاصة الغاز والمياه. وفي عام 2003 نجحت مظاهرات الهنود الحمر في إسقاط حكومة "جونزالوا سانتوس دي لوسادا" المعروف باسم "الجرينجو" أي الغريب باللغة البرتغالية، لأنه تعلم في واشنطون، وعاد إلى بوليفيا ينطق بلكنة أمريكية. وسقط في هذه المظاهرات مئات القتلى، وبعد عامين أسقطوا أيضا حكومة "كارلوس ماسا"، وامتلأت الشواريع بالجنود والضباط للحفاظ على الأمن، ولم تهدأ المظاهرات حتى دخل "أيفو موراليس" قصر الرئاسة إثر انتخابات حرة.

628

Labels:

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

eXTReMe Tracker