المشروب الرسمي في الوزارات الشاي المخلوط بالكوكا
بوليفيا دولة للاستعمال الشخصي
الطريق الأسفلتي المراوغ المليء بالمطبات يشق طريقه بصعوبة فوق المرتفعات، خارج العاصمة البوليفية "لاباس". ويبدو للحظة أن الصعود أكثر من ذلك مستحيل، لكن "لاباس" أعلى عاصمة في العالم تقع على ارتفاع 3600 متر فوق مستوى سطح البحر.. التنفس صعب للغاية..الهواء شحيح..السجائر تنطفئ من تلقاء نفسها.
البيوت على جانبي الطريق عارية من الطلاء، مجرد أكوام من الطوب، تُكون منازل من طابق واحد متلاصقة من فرط الازدحام. المنظر الطبيعي يحبس الأنفاس. العاصمة تبسط جناحيها في الوادي..وتحيط بها جبال "الأندي" باللون الأزرق والبني والأحمر، وقممها المغطاة بالثلوج لا تذوب أبدا حتى في عز الصيف. وعند سفح الجبل تظهر الأحياء الفقيرة التي توالدت وتكاثرت خلال العشرين سنة الأخيرة. وصار عدد سكانها مساو لعدد سكان العاصمة.
هذا الطريق الأسفلتي هو الممر الوحيد المؤدي إلى "ويا فاتيما" أهم أحياء العاصمة "لاباس" والمسمى على اسم عذراء بوليفيا، التي تجلت فوق قبرها السيدة مريم العذراء، وشاهدها ثلاثة من أبناء الرعاة المترددين على المنطقة. لكن هنا في "بوليفيا" الجميع يعرف العذراء، ويحبها، بسبب سوق "الكوكا" المعروف باسمها، وهو أكبر أسواق "بوليفيا" التجارية!!
السيارة الأجرة تتأرجح فوق "المطالع". و"أنطونيو شافي" مثل كل سائقي "التاكسي" في "لاباس"، يسير حتى قطرة الوقود الأخيرة. وعندما ينفد البنزين، لا يشتري بأكثر من دولار، أو دولارين. مؤشر الوقود في سيارته لم يتجاوز الضوء الأحمر مطلقا منذ اشتراها. وإذا اعتبرنا "أنطونيو شافي" نموذجا يقاس عليه، فإن الدولة كلها تتحرك في الهامش: ولا سائق يستعمل "المسَاحات" حتى لو انهطل المطر بغزارة. الجميع يطفئ الأنوار، والمحرك فور التوقف في الإشارة.
وفي سوق "ويا فاتيما" نفسه، لا يثق التجار عادة في الأغراب، "الجرينجو" باللغة البرتغالية. ويرفضون الكلام أو التصوير. خاصة أن نبات "الكوكا" مصدر رزقهم الوحيد يتعرض لهجمة ضارية من الولايات المتحدة أكبر مستهلك للكوكايين في العالم. فبدلا من أن تحارب واشنطون مخدر "الهايبي" النيويوركي الذي يدمر شبابها، قررت أن تخوض حربا ضد المزراعين الفقراء في دول "أمريكا اللاتينية". و"بوليفيا" في مقدمة الدول المضارة من الهجمة، خاصة وأن دخل الفرد فيها لا يتجاوز حاجز الـ 1000 دولار سنويا.
البيوت على جانبي الطريق عارية من الطلاء، مجرد أكوام من الطوب، تُكون منازل من طابق واحد متلاصقة من فرط الازدحام. المنظر الطبيعي يحبس الأنفاس. العاصمة تبسط جناحيها في الوادي..وتحيط بها جبال "الأندي" باللون الأزرق والبني والأحمر، وقممها المغطاة بالثلوج لا تذوب أبدا حتى في عز الصيف. وعند سفح الجبل تظهر الأحياء الفقيرة التي توالدت وتكاثرت خلال العشرين سنة الأخيرة. وصار عدد سكانها مساو لعدد سكان العاصمة.
هذا الطريق الأسفلتي هو الممر الوحيد المؤدي إلى "ويا فاتيما" أهم أحياء العاصمة "لاباس" والمسمى على اسم عذراء بوليفيا، التي تجلت فوق قبرها السيدة مريم العذراء، وشاهدها ثلاثة من أبناء الرعاة المترددين على المنطقة. لكن هنا في "بوليفيا" الجميع يعرف العذراء، ويحبها، بسبب سوق "الكوكا" المعروف باسمها، وهو أكبر أسواق "بوليفيا" التجارية!!
السيارة الأجرة تتأرجح فوق "المطالع". و"أنطونيو شافي" مثل كل سائقي "التاكسي" في "لاباس"، يسير حتى قطرة الوقود الأخيرة. وعندما ينفد البنزين، لا يشتري بأكثر من دولار، أو دولارين. مؤشر الوقود في سيارته لم يتجاوز الضوء الأحمر مطلقا منذ اشتراها. وإذا اعتبرنا "أنطونيو شافي" نموذجا يقاس عليه، فإن الدولة كلها تتحرك في الهامش: ولا سائق يستعمل "المسَاحات" حتى لو انهطل المطر بغزارة. الجميع يطفئ الأنوار، والمحرك فور التوقف في الإشارة.
وفي سوق "ويا فاتيما" نفسه، لا يثق التجار عادة في الأغراب، "الجرينجو" باللغة البرتغالية. ويرفضون الكلام أو التصوير. خاصة أن نبات "الكوكا" مصدر رزقهم الوحيد يتعرض لهجمة ضارية من الولايات المتحدة أكبر مستهلك للكوكايين في العالم. فبدلا من أن تحارب واشنطون مخدر "الهايبي" النيويوركي الذي يدمر شبابها، قررت أن تخوض حربا ضد المزراعين الفقراء في دول "أمريكا اللاتينية". و"بوليفيا" في مقدمة الدول المضارة من الهجمة، خاصة وأن دخل الفرد فيها لا يتجاوز حاجز الـ 1000 دولار سنويا.
السوق عبارة عن مبنى من طابقين يشبه مدرسة ابتدائية. وبدلا من التلاميذ في الفصول، تقيم العائلات الهندية من الأقاليم الزراعية في بوليفيا مثل "هيونجاس"، و"جيفارا". والعادات الموروثة من قبائل الهنود الحمر مازالت سارية المفعول. كل عائلة تتولى تدبير شئونها إمرأة عجوز ترتدي ملابس تقليدية، تجلس في السوق ومن حولها أطفال صغار، تعتني كل مجموعة منهم بجوال ضخم يحتوي على 25 كجم من نبات "الكوكا" المجفف، وسعر الكيلو خمسة دولارات.
الأجولة المكدسة في هذا السوق، لا تزعج أحدا في "لاباس". مضغ الكوكا، وشربها في ماء مغلي، واستعمالها في التداوي، كشراب أو مراهم، هي جزء من الطب البديل الموروث عن القبائل الهندية في هذا البلد. حتى المشروب الرسمي في الوزارات هو الشاي المخلوط بالكوكا، والتفاح. ويؤكد البوليفيون أن زراعة "الكوكا" لا تتم في "بوليفيا" بغرض تجاري، والمزارعون لا يطرحون محاصيلهم للبيع. كما أن الكوكايين يستخرج من هذا النبات بعد عملية كيميائية معقدة لا تتم في "بوليفيا" الفقيرة.
غير أن الأرقام التي تنشرها المنظمات الدولية تؤكد أن غالبية الانتاج البوليفي من "الكوكا" يتم تصديره. فاعتبارا من السبعينيات توسع المزراعون في زراعة "الكوكا"، نتيجة انخفاض أسهم الفحم كمصدر للطاقة كانت "بوليفيا" من أكبر أسواق استخراجه في العالم. وانتقل عشرات الآلاف من العمال المطحونين من العمل في المناجم للعمل في زراعة الكوكا بالمناطق الدافئة والجافة شرقي "لاباس". وطبقا لتقديرات الأمم المتحدة، أنتجت "بوليفيا"، عام 2004 فقط، 36 ألف طن من "الكوكا"، تم تصدير 25 ألف طن منها إلى مصانع إنتاج الكوكايين في "كولومبيا".
ولكي تحارب الكوكايين بدأت "واشنطون"، منذ عهد "رونالد ريجان "الحرب ضد المخدرات". وفي هذا الإطار عرضت بالاتفاق مع الحكومة البوليفية 2000 دولار على كل صاحب مزرعة يتوقف عن زراعة "الكوكا". لكن المحاصيل البديلة كالموز كانت تدر أرباحا قليلة، لم تغط الخسائر. وفي إطار نفس الخطة دربت "واشنطون" قوات شرطية خاصة لمحاربة الفلاحين المتمردين. وكانت النتائج قاسية للغاية: قتل مئات الأشخاص، وأكدت منظمة "هيومان رايتس ووتش" أن الحكومتين الأمريكية والبوليفية مسئولتان عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. ووفقا لتقديرات الحكومة البوليفية انخفض دخل مزراعي "الكوكا" من 2700 دولار سنويا عام 98 إلى 900 دولار عام 2002.
"إليا سناندس" شاب في الـ 22 من عمره، من وادي "هيونجاس". يسافر يوميا إلى العاصمة حاملا أجولة "الكوكا", يقف في سوق "ويا فاتيما" لبيع بضاعته التي يعيش منها. أمامه ميزان غلال عاطل عن العمل منذ فترة. "سناندس" يؤكد أن حياة آلاف البوليفيين تعتمد على زراعة "الكوكا" التي توفر فرص العمل للمزراعين، وعمال الحصاد والتجفيف، والنقل، والسائقين وتجار الغلال. وتدمير هذه الزراعة يعني ضربة مميتة لآلاف العائلات.
الأجولة المكدسة في هذا السوق، لا تزعج أحدا في "لاباس". مضغ الكوكا، وشربها في ماء مغلي، واستعمالها في التداوي، كشراب أو مراهم، هي جزء من الطب البديل الموروث عن القبائل الهندية في هذا البلد. حتى المشروب الرسمي في الوزارات هو الشاي المخلوط بالكوكا، والتفاح. ويؤكد البوليفيون أن زراعة "الكوكا" لا تتم في "بوليفيا" بغرض تجاري، والمزارعون لا يطرحون محاصيلهم للبيع. كما أن الكوكايين يستخرج من هذا النبات بعد عملية كيميائية معقدة لا تتم في "بوليفيا" الفقيرة.
غير أن الأرقام التي تنشرها المنظمات الدولية تؤكد أن غالبية الانتاج البوليفي من "الكوكا" يتم تصديره. فاعتبارا من السبعينيات توسع المزراعون في زراعة "الكوكا"، نتيجة انخفاض أسهم الفحم كمصدر للطاقة كانت "بوليفيا" من أكبر أسواق استخراجه في العالم. وانتقل عشرات الآلاف من العمال المطحونين من العمل في المناجم للعمل في زراعة الكوكا بالمناطق الدافئة والجافة شرقي "لاباس". وطبقا لتقديرات الأمم المتحدة، أنتجت "بوليفيا"، عام 2004 فقط، 36 ألف طن من "الكوكا"، تم تصدير 25 ألف طن منها إلى مصانع إنتاج الكوكايين في "كولومبيا".
ولكي تحارب الكوكايين بدأت "واشنطون"، منذ عهد "رونالد ريجان "الحرب ضد المخدرات". وفي هذا الإطار عرضت بالاتفاق مع الحكومة البوليفية 2000 دولار على كل صاحب مزرعة يتوقف عن زراعة "الكوكا". لكن المحاصيل البديلة كالموز كانت تدر أرباحا قليلة، لم تغط الخسائر. وفي إطار نفس الخطة دربت "واشنطون" قوات شرطية خاصة لمحاربة الفلاحين المتمردين. وكانت النتائج قاسية للغاية: قتل مئات الأشخاص، وأكدت منظمة "هيومان رايتس ووتش" أن الحكومتين الأمريكية والبوليفية مسئولتان عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. ووفقا لتقديرات الحكومة البوليفية انخفض دخل مزراعي "الكوكا" من 2700 دولار سنويا عام 98 إلى 900 دولار عام 2002.
"إليا سناندس" شاب في الـ 22 من عمره، من وادي "هيونجاس". يسافر يوميا إلى العاصمة حاملا أجولة "الكوكا", يقف في سوق "ويا فاتيما" لبيع بضاعته التي يعيش منها. أمامه ميزان غلال عاطل عن العمل منذ فترة. "سناندس" يؤكد أن حياة آلاف البوليفيين تعتمد على زراعة "الكوكا" التي توفر فرص العمل للمزراعين، وعمال الحصاد والتجفيف، والنقل، والسائقين وتجار الغلال. وتدمير هذه الزراعة يعني ضربة مميتة لآلاف العائلات.
Labels: نصر الله
0 Comments:
Post a Comment
<< Home