Saturday, March 11, 2006

من يقرأ الصحف العبرية في مصر?




المراسلون الإسرائيليون في القاهرة يخفون جنسياتهم خوفاً من المارة

القاهرة: محمد أبوزيد
حين وقعت تفجيرات بميدان عبد المنعم رياض بوسط القاهرة، قبل عدة أشهر، قال الخبر إن هناك اسرائيليين أصيبا في الحادث، وفي خضم الحديث عن أثر التفجيرات، لم يلتفت البعض إلى فكرة أن الاسرائيليين الآن أصبحوا يسيرون في أشهر ميادين القاهرة بكل حرية، لكن ما لفت الانتباه بعد ذلك هو التغطية الصحافية للحادث في الصحف الاسرائيلية، وهو ما يجعل طرح السؤال «مَن يراسل الصحف الاسرائيلية من القاهرة»؟، مهماً وضرورياً.
وعلى غير بعيد من مكان الحادث، بالتحديد لدى «عم رمضان» أشهر بائعي الجرائد في وسط القاهرة، توجد عدد من الجرائد العبرية، التي تجعلنا نطرح سؤالاً آخر: «ومَن يقرأ هذه الجرائد في مصر؟».
ان انتشار الترجمات العبرية في الصحف المصرية للمواضيع الخاصة بمصر، ووجود 6 أقسام لتعليم اللغة العبرية في الجامعات المصرية، تحتم فتح ملف الصحف العبرية في مصر: من يقرأها، ومن يراسلها، ومن يوزعها؟.. الأهم: من يصدقها؟.
في البداية يلفت محمد عبود، الصحافي والمترجم بجريدة «العربي» الناصرية، إلى أن الصحافة الاسرائيلية تباع في كل أنحاء العالم مثلها مثل أي صحافة أخرى في العالم، وهي تباع في مصر في منفذ واحد في وسط القاهرة تابع لتوزيع «الأهرام»، ويقرؤها كل قراء العبرية في مصر، وهم الذين يتعلمون في مؤسسات أكاديمية تعلم العبرية، أو الصحافيون الذين يترجمون من العبرية إلى العربية، مشيراً إلى أن هناك في مصر جوا عاما رافضا للتطبيع.
ويقول عبود إنه لا يوجد مراسلون اسرائيليون مقيمون بشكل دائم في القاهرة، ولا في أي عاصمة عربية أخرى، لأنهم يعتبرون الدول العربية، وفقاً للقانون الإسرائيلي «دول عدوّة»، وأن الشعور الجمعي في الدول العربية معاد للصهيونية، وللوجود الاسرائيلي في المنطقة العربية، ولاحتلال فلسطين، ما عدا الدول التي عقدت اتفاقيات سلام معهم، لذا فإن حضورهم إلى الدول العربية يكتنفه بعض الحذر.
ويضيف عبود أن الصحف الاسرائيلية تعتمد في ما تنشره عن مصر من معلومات، على ما ينشر عن مصر في وسائل الميديا المختلفة، أو عن طريق مراسلين يزورون مصر على فترات، وعندما يكون هناك حدث مهم كالقمة العربية مثلاً، يكون هناك مراسل اسرائيلي موجود لتغطية القمة، وأحياناً يأتي مراسل اسرائيلي، ويعتمد في جمع المعلومات على العامة، كأن يركب مع سائق تاكسي ويتجاذب معه أطراف الحديث، ليحصل منه على المعلومات التي يريدها، أو لكي يعد تقريراً شاملاً عن الأوضاع الاقتصادية في مصر، وإن كان يخفي جنسيته لادراكه الرفض العام لوجود اسرائيليين في مصر، أو من الممكن أن يحصل على المعلومات من أصدقائه التطبيعيين الموجودين في القاهرة، الذين قد يساعدونه في الحصول وجمع المعلومات.
وأشهر الصحافيين الاسرائيليين الذين يكتبون عن مصر من جريدة «هاآرتس»، هم سيفي باونيل، وهو متخصص في الشؤون المصرية وباحث في جامعة بن جوريون، وهناك يواف شبيرت، وهو متخصص في الشؤون العربية ويجيد الحديث بالعربية وهو حفيد شبيرت قائد الهاجناه، وقد كان موجوداً في القاهرة الأسبوع الماضي في الاحتفال بصدور ترجمة رواية عبرية إلى العربية اسمها «ياسمين».
أما جريدة «معاريف»، فأشهر محرريها الذين يكتبون عن مصر جاكي حوجي، وهو يهودي من أصل عراقي يجيد العربية أيضاً، ويتردد على القاهرة كثيراً، ولديه مصادر كثيرة في وزارة الخارجية، وفي الجامعة العربية، وهو من اليهود العراقيين الذين نجحوا في التصويت في الانتخابات العراقية الأخيرة.
أما جريدة «يديعوت أحرونوت»، فأشهر مراسليها وكتابها عن القاهرة سمدار بيري، وهي سيدة عجوز، وهي متابعة للشؤون المصرية منذ عقدت اتفاقية كامب ديفيد الأولى بين السادات وبيجين.
أما أشهر مذيعي التلفزيون بالنسبة للمصريين، فهو أهارون بارنيه، وذلك لتخصصه في اجراء الحوارات مع الرئيس المصري حسني مبارك، كان آخرها حوارا أجري منذ حوالي شهرين. ويجيد أهارون الحديث بالعامية المصرية، وهو مذيع في القناة الثانية الاسرائيلية.
ويقول عبود إن قراء العبرية في مصر قليلون، لأنه لا يوجد من يتحدث العبرية في مصر إلا المتخصصين وهم خريجو أقسام اللغة العبرية في الجامعات المصرية، حيث يوجد بمصر 6 أقسام في الجامعات يدرسون اللغة العبرية في جامعات عين شمس والقاهرة والأزهر وحلوان والمنصورة. مشيراً إلى أن هناك أعداداً كبيرة من الخريجين من هذه الأقسام يعملون في أشياء أخرى لا علاقة لها بمجال دراستهم، وباللغة العبرية، وهناك عدد قليل يعملون في حقل اللغة العبرية، وهم يعملون في حقل الاعلام أو الجامعة أو الأجهزة الأمنية، وهناك المترجمون الذين يعملون في الصحف الوطنية، وهؤلاء يكون عليهم عبء مطالعة الصحف الاسرائيلية وينقلون ما فيها من أخبار تخص الشأن المصري.
ويلفت عبود إلى مشكلة أخرى خاصة بسعر هذه الجرائد، فهي تتراوح ما بين ثلاثين إلى خمسة وثلاثين جنيهاً للنسخة الواحدة (حوالي 7 دولارات)، وهو مبلغ كبير بالنسبة للجريدة اليومية العادية في مصر (جنيه واحد أو أقل)، بالاضافة إلى أن الحصول على الكتب العبرية أصبح صعباً جداً بالنسبة لدارسي اللغة العبرية، حيث ان الدولة حتى الآن ترفض تزويد مكتبات الجامعات بها منذ منتصف الثمانينات، فأصبح الباحثون الوطنيون الرافضون للتطبيع، لا يعرفون كيف يتابعون ما ينشر كل يوم، وهناك مشكلة أخرى أن هذه الجرائد تصل بعد أسبوع من صدورها.
وحول مدى مصداقية هذه الجرائد لدى المواطن المصري، يقول عبود إن الجرائد الاسرائيلية تتمتع بحرية عالية، وتطرح معلومات بشكل دائم، ونحن بلد غير منتج للمعلومات، ففي حين تنفي وزارة الزراعة طوال الوقت أن هناك تطبيعاً أو اتفاقيات مع اسرائيل، نجد أن الصحافة الاسرائيلية تؤكده وتدعمه بصور هذه الاتفاقيات.
نائل الطوخي، الصحافي والمترجم والباحث في هذا المجال، يقول إن الصحف الإسرائيلية ذات الطابع اليساري تفرد صفحات أكثر لمصر وللعالم العربي عموما، من نظيرتها اليمينية، وهذا بهدف ثقافي وسياسي في الآن ذاته، لكسر حدة صورة «العدو العربي»، التي يتم رسمها في الصحف اليمينية الأخرى، ليس فقط على الجانب السياسي من حيث وصف حالة البلد الآخذة في الاشتعال تدريجيا الآن، وبالتالي تفنيد صورة «المجتمع العربي المتخلف الراضي بالديكتاتورية»، إنما من حيث رصد الواقع الثقافي المصري الثري، الذي يعتبره بعض الإسرائيليين مفتاحا لفهم الثقافة العربية بشكل عام عن طريق مبنى واحد: المركز الأكاديمي الإسرائيلي بجوار كورنيش النيل.
الدكتور رشاد الشامي، رئيس قسم اللغة العبرية في جامعة عين شمس بالقاهرة، يقول إن بداية من الانتفاضة الثانية توقفت الجرائد العبرية عن المجيء إلى مصر، وفي الفترة السابقة كانت هناك أعداد من هذه الصحف تأتي، وكان يحصل عليها طلاب أقسام اللغة العبرية في الجامعات المصرية، لأنهم كانوا يستفيدون من حصولهم عليها في التدريب على الترجمة، ومعرفة معلومات عن اللغة العبرية. مشيراً إلى أن هناك أماكن أخرى بخلاف الجامعات، تحتاج إلى الحصول على هذه الجرائد، وهي الجرائد المصرية التي تخصص أماكن لترجمة ما ينشر عن مصر في الصحافة الاسرائيلية، وهذه الصحف استطاعت في السنوات العشر الأخيرة استقطاب أعداد من خريجي أقسام اللغة العبرية لترجمة ما يكتب عن مصر في اسرائيل، على اعتبار أن هذه الموضوعات ذات أهمية بالنسبة للقارئ، ويتابعها ويريد أن يعرف مردود سياسة بلاده في الخارج.
ويضيف الشامي ان أهم الجرائد الاسرائيلية التي تأتي مصر ولها جمهور، هي «أيديعوت أحرونوت» و«معاريف» و«هتسوفيه» و«هاآرتس»، وكانت بالنسبة لنا في الجامعات تخلق حالة من الانتعاش، لأننا كمدرسين للغة العبرية، ولدينا طلاب جزء أساسي من المناهج الدراسية أن يدرسوا اللغة في أطرها اللغوية الجديدة، ويواكبوا المفردات الجديدة التي تظهر، وكان هذا يساعد الأساتذة ويجعلهم يعتمدون على أن هناك مادة متاحة بين أيدي الطلاب للتدريس وعمل ما يمكن تسميته بالواجب المنزلي، كما كانت الأعداد الأسبوعية من هذه الجرائد تنشر ملاحق أدبية مهمة لنا لمتابعة أحدث الأخبار الأدبية، وكنت أحرص على أن أشتري الملحق الأسبوعي لكل الجرائد و«أذاكر» فيه لمدة شهر، وهو يحمل مادة متنوعة كبيرة وتحقيقات عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي في اسرائيل، وكان حوالي 130 صفحة، وكانت هذه الجرائد نافذة مهمة لكي نعرف الأخبار، وما يكتب عنا بالخارج.
وحول وجود مراسلين للصحف الاسرائيلية في مصر، يقول الشامي إن هناك مندوبين للصحف الاسرائيلية موجودون في القاهرة بشكل دائم، وإن لم يكن بشكل دائم، فلهم الحق في أن يذهبوا ويعودوا إلى مصر بحكم أن هناك اتفاقيات بين مصر واسرائيل، وهم يأتون ويجرون حوارات مع المسؤولين الكبار، وقد بدأ هذا منذ حوالي عام 1985، وما زال ساري المفعول، لكن ليس لهذا مقابل في اسرائيل، أي لا يوجد مراسلون لنا هناك، بخلاف مراسلي الفضائيات وقنوات التلفزيون.
ويضيف الشامي، انه ربما لا يكون المراسلون الاسرائيليون مقيمين بشكل دائم، وان كان لهم الحق أن يأخذوا تصريحات عمل من الهيئة العامة للاستعلامات للعمل هنا. ويشير الشامي إلى أنه لا يوجد صحافي مصري أو عربي يقبل أن يعمل مراسلاً لهذه الجرائد، لأن هناك قراراً بنقابة الصحافيين المصريين وبجميع نقابات الصحافيين العربية، بالمقاطعة في هذا الشأن، وكل الصحافيين ملتزمون بهذا.
وفي حين يؤكد العديدون وجود مراسلين اسرائيليين في القاهرة يرفض فولكهارد ويندفور، رئيس جمعية المراسلين الأجانب في مصر هذا الطرح، ويقول: «لا يوجد لدينا مراسلون اسرائيليون هنا، والكتاب الذي نصدره سنوياً ويضم أسماء المراسلين الأجانب غير موجود به أسماء اسرائيليين»، ويضيف فولكهارد: «هناك مراسلون للصحف الاسرائيلية لا يمكن انكار هذا، لكنهم في الغالب أميركيون، ذوو اتجاهات معروفة، وقد يكون هناك اسرائيليون، لكنهم غير منضمين لجمعيتنا»..
صحيفة الشرق الأوسط اللندنية

Labels: , , ,

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

eXTReMe Tracker