سعد الدين إبراهيم في جامعة تل أبيب
تدوينة بيني تسيفر
نشر بيني تسيفر رئيس القسم الثقافي بجريدة هآارتس "تدوينة" عن زيارة د. سعد الدين إبراهيم لإسرائيل. ومحاضرة ألقاها الرجل في جامعة تل أبيب، وانطباعات "تسيفر" عن مصر وسعد الدين وعمارة يعقوبيان، ومواقف الإسرائيليين السلبية تجاه مصر والمصريين. المقال مهم..وننشر ترجمته حرفيا دون تعليق
رئيس القسم الثقافي بجريدة هاآرتس
بسبب محبتي الشديدة لمصر، تلك المحبة التي لا أعرف مصدرها، حظيت بعضوية "جمعية" شبه سرية، أعضاؤها من الإسرائيليين المحبين لمصر. محظور عليَ، بالطبع، كشف أسماء الأعضاء الآخرين، كما أن عضوية الجمعية غير متاحة لأعضاء جدد. وتتألف الرابطة من ثلاثة أعضاء، يجتمعون مرة كل شهر تقريبا، ويكون ذلك عادة مساء أحد أيام السبت..لمناقشة مختلف القضايا التي تخص مصر.
اجتمعنا الأربعاء الماضي، والمناسبة لقاء استثنائي، لذلك لم نعقد اجتماعنا في منزل خاص كما جرت العادة، بل في قاعة صغيرة داخل مبنى "نفتالي" بجامعة تل أبيب.
سبب اللقاء غير العادي، هو حضور ضيف مهم من مصر، وقد وافق الضيف أن يلقي علينا محاضرة عن الأوضاع الاجتماعية والثقافية والسياسية في بلاده من وجهة نظر غير رسمية، لكنها أصيلة للغاية. اسم الرجل هو د. سعد الدين إبراهيم. وهو مؤسس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، كما أنه رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية. هذا الرجل الشجاع، المعاق، المتقدم في العمر، دفع ضريبة العمل العام الذي يمارسه في صورة اعتقال لفترة طويلة في السجون المصرية.
د. سعد الدين إبراهيم
في أي مكان آخر بالدنيا، كانت وسائل الإعلام ستنقض على الرجل، وتجري معه الحوارات واللقاءات المطولة، وتطلب منه رواية قصته. إلا هذه الأرض العقيمة، فما يحدث داخل حدود جارتنا الجنوبية، تلك الدولة الساحرة الخلابة لا يهم أي شخص هنا، إلا إذا تظاهر المصريون ضد إسرائيل، أو عرضوا فيلما عن برتوكولات حكماء صهيون.
لماذا لم يهتم أي شخص هنا؟ لأن زيارة كالتي قام بها د. إبراهيم، وقد جاء بصحبة مجموعة من طلبته المصريين، من شأنها أن تفسد الصورة النمطية السلبية التي كونها الإسرائيليون العاديون والإسرائيليون الجهلاء عن المصريين، وهم في مخيلتهم، شعب من أكلة الفول المبتسمين دائما في بلاهة، ويكرهون إسرائيل. إذن ما الداعي لإفساد الصورة المترسبة في وعيهم بحقائق وأخبار لا لزوم لها؟
نفس الأمر عندما يتعلق الأمر بالمثقفين الإسرائيليين الذين أخاطبهم، فهم مقتنعين بعدم وجود معارضة للأنظمة الحاكمة في العالم العربي، وكل الناس هناك مطيعين خانعين، شبه حمقى، يخفضون رؤوسهم أمام حكامهم الطغاة. وكل ذلك، بالطبع، على النقيض من إسرائيل، الدولة الديمقراطية الرائعة، فكل مواطن هنا انتقادي ومتمرد. (أما أنا فأتمنى أن أرى مصير هذه النزعة الإسرائيلية للتمرد والانتقاد، عندما يظهر هنا فجأة نظام ديكتاتوري مستبد).
بوستر فيلم عمارة يعقوبيان
تحدث د. سعد الدين إبراهيم عن القضايا الجدلية التي شغلت المجتمع المصري مؤخرا. وفي مقدمتها بالطبع، الجدل الذي ثار حول رواية (وفيلم) "عمارة يعقوبيان". وهي رواية كبيرة الحجم وممتعة، صارت الكتاب العربي الأكثر مبيعا عبر العصور. وتناقش الرواية، بجرأة غير مسبوقة حتى اليوم، فساد القيادات الحاكمة، وتقتحم التابوهات الكبرى مثل الإسلام- والشذوذ الجنسي. وأحد شخصيات الرواية، رئيس تحرير مجلة بالقاهرة تصدر باللغة الفرنسية، يمارس علاقة حب مع رجل متزوج. ولا يدخر الأديب أي "تفصيلة" حميمية في إطار هذه العلاقة. عند صدور الرواية سعت دوائر دينية للحيلولة دون توزيعها، وباءت محاولاتهم بالفشل.
عندما قرأت هذه الرواية، منذ سنتين أو ثلاث، أُعجبت جدا من جرأتها، وتركت في انطباعا قويا، حتى أنني رحت أُحدِث عنها في كل مكان، وأوصي بقراءتها كلما سنحت فرصة. لكن، كما تعرفون، الحكمة الشائعة تقول: "لا تنثر الجواهر أمام الخنازير". والخنازير هنا، استعارة أقصد بها غالبية سكان هذه البلاد (إسرائيل)، الذين تنسد حواسهم في مواجهة كل ما يأتي من العالم العربي، خاصة إذا كان هذا الآتي لا يتماشى مع أفكارهم المسبقة. إذن كيف يكون شعورهم إزاء رواية مصرية جريئة ومتمردة، أليس المصريون مجرد مجموعة من الحمقى؟
د. نصر حامد أبوزيد
قضية أخرى أشعلت نيران الجدل في مصر مؤخرا، هي قصة نصر حامد أبوزيد الذي ألف كتابا يحاول فيه تحليل النص القرآني، باعتباره نصا أدبيا، مستخدما أدوات البحث العلمي، والنظريات الحديثة مثل علم النص. وهو تابو آخر من يمسه يتعرض لعقوبة وخيمة. فهناك قانون في مصر (تم تغييره بعد ذلك) يسمح لأي شخص أن يقاضي "غيره" إذا تصور أن هذا "الغير" أهان المقدسات الإسلامية. وفرارا من حكم متوقع بالسجن، جرى تهريب نصر حامد أبوزيد وزوجته إلى هولندا. ومازال يعيش هناك حتى اليوم.
الوزير فاروق حسني
القضية الجدلية الثالثة، أولاها التليفزيون الإسرائيلي قدرا محدودا من الاهتمام. الضجة أثارها الوزير المصري فاروق حسني، عندما صرح بأنه قد آن الآوان لكي تنزع النساء الحجاب. غير أن المشكلة دائما، أن الأشخاص الذين ينقلون لنا هذه الأخبار من العالم العربي، وانا أعني بالذات، "تسفي يحزقيئلي" مراسل القناة العاشرة للشئون العربية، يفعلون ذلك باستظراف واستخفاف، وكأنه ينقل لنا عجائب وطرائف تدور في أحد مضارب قبيلة بدائية. والحقيقة أنها قضايا جدية وخطيرة، يتعرض أشخاص بسببها للسجن، والتعذيب والتحقيق. صحيح أن قضية فاروق حسني انتهت بإجباره على الاعتذار، لكن تصريحه المساند لحقوق المرأة مازالت أصداؤه تتردد في الهواء الذي يستنشقه المجتمع المصري.
الظريف يحزقئيلي
القضايا الثلاث، جزء من السجالات التي تؤكد أن مصر بعيدة كل البعد عن الصورة الإدراكية المتكونة لها هنا. صورة بلد ظلامي مسلم، يسير الجميع فيه مذعورين..ويسيطر عليهم خوف مقيم. لكن الحقيقة أن وجود شخص مثل سعد الدين إبراهيم، لا يخشى أن يعارض علانية، وينتقد بأسلوب حاد مثير للدهشة الرئيس المصري وأفراد عائلته، يشير ويدل على شيء ما. علاوة على أنه ليس الشخص الوحيد الذي يفعل ذلك. الصحافة المصرية أكثر حدة وشراسة في الهجوم مما نظن. والشعب المصري أيضا، بالرغم من مكبس الضغط الديكتاتوري، هو أقل الشعوب التي رأيتها تعصبا، بالرغم من الظروف المعيشية القاسية التي يحياها. أنا أشهد أيضا أن المصريين فضوليون، ويسعون لتحصيل المعرفة حول إسرائيل، أكثر من فضول الإسرائيليين وسعيهم لتحصيل المعرفة عن مصر.
وأستطيع أن أحصر على أصابع يد واحدة كل الإسرائيليين الذين أعرف أنهم يتابعون ما ينشر في الصحافة المصرية. وفي مقابل ذلك أعرف مئات المصريين الذين يقرأون هاآرتس سواء بالعبرية أو الانجليزية، علاوة على الذين يتابعون التليفزيون الإسرائيلي. ومثال بارز على ذلك، عرفته عندما نشرت في الملحق الثقافي بـ"هاآرتس"، عقب وفاة الأديب المصري نجيب محفوظ، عددا خاصا عن الأديب، وبعد مرور أسبوع، نشرت جريدة مصرية مهمة ترجمة كاملة للعدد الخاص. وعلى المستوى الشخصي، بعد أن كتبت "تدوينة" عن مطرب شعبي مصري شهير، تم ترجمتها ونشرها في صحيفة مصرية. وإذا أردتم مثالا أخر من الأمثلة القريبة إلى نفسي: الصحافة المصرية تتابع مسابقة القصة القصيرة التي تنظمها "هاآرتس"، وكتبوا عنها مقالا.
غلاف مجلة الهلال عدد شهر يونيو
وبالتأكيد، أن كل ما سبق لم يذاع عنه شيء في التليفزيون الإسرائيلي، لأن هذه الأمور لا تتماشى مع الصورة النمطية للمصريين: كارهي إسرائيل المزمنين. وهذا صحيح المصريون يغضبون منا بسبب ما يجري للفلسطينيين، ومن حقهم تماما أن يفعلوا ذلك. لكن على العكس منا، ففي الوقت الذي نرى فيه العالم العربي بمنظار الأبيض والأسود، ولا نرى فيه أشكالا متنوعة، فأنهم يستطيعون، أحيانا، التمييز بين الألوان.
وعلى أية حال، أنا أظن أن زيارة د. سعد الدين إبراهيم لإسرائيل، كانت تستحق تغطية إعلامية جادة، خسارة أنها لم تحدث. وخسارة أنه اضطر أن يظهر بصورة شبه سرية أمام جمهور شبه سري، ولم تتمكن جماهير أوسع أن تنصت لما يريد أن يقوله مثقف مصري مثله عن إسرائيل، وعن مميزاتها وعيوبها، فعلا خسارة.
لكن أكثر ما يحزنني على المستوى الشخصي، أن معرض القاهرة الدولي للكتاب، سيفتح أبوابه الأسبوع القادم، ولن أتمكن من التجول بين أرجائه. فلا يوجد لدي نقود للسفر مجددا للخارج، كما أنني لم أحصل على تأشيرة في موعد مناسب. واحدة من أعضاء "حمعية" محبي مصر ستسافر لحضور المعرض، وأنا أحسدها، لأنه معرض غني ومتنوع..رائع وشعبي. كما إن رؤية انقضاض المصريين على الكتب الجديدة أمر يثير الغيرة في حد ذاته. هناك كتب تباع منها ملايين النسخ، وطبعات تنفد أحيانا في يوم واحد. ومازلت أذكر لحظة صدور عمارة يعقوبيان. خلال خمس دقائق قضيتها في مكتبة مدبولي تبخرت كومة كاملة من النسخ. وقد روى لنا الدكتور سعد في محاضرته، أنه أثناء وجوده في السجن، أرسل له أحد تلامذته نسخة من الكتاب. ولم تصله إلا بعد مرور شهر كامل. واتضح أن مأمور السجن قرأها أولا، ثم نائبه، ومن بعده الضباط الصغار، وجميعهم التهموا الكتاب التهاما.
20-1-2007
Labels: politics
2 Comments:
هوه أنا أول واحد هعلق وللا ايه؟
طيب أقعد شوية على الخط استنى حد ييجى وللا ايه؟
عموما عاجبنى جدا فيك اطلاعك وثقافتك اللى ظاهرة فى كل بوست كتبته.. ثانيا عجبنى كمان إيمانك باننا لازم نعرف ثقافة الآخر دايما ونطلع عليها عشان نقدر نواجهه..
ربنا يزيدك ويوفقك..
افتكر الجمايل دى بقى.. أنا أول واحد علقت .. مبتحصلش كتير دى..اكتبها فى مذكراتك.هههههههههه
ماشي يا عم خطوة عزيزة والله..وأنا قول شط الترعة منور ليه..أتاري أشرف ماشي عليه..لكن سيبك أنت أخف دم فعلا وأنا معجب بمدونتك جدا..ولو أنك زودتها شوية مع الدكتور الغلبااااااااان..بس معهلش..هنعمل ايه بقى..المهم عاوزين نتواصل أنت موهبة حقيقية..وأنا فرحان أني عرفت مدونتك
Post a Comment
<< Home