قناص بغداد..أبوه عراقي وأمه مصرية
على بعد 200 متر، وقف على الطرف الآخر من مفترق الطرق الفسيح، القناص العراقي "جوبا" ينظر للجندي الأمريكي الشاب الواقف خلف المتاريس، يعتمر خوذة شفافة، تاركا أسرته في كاليفورنيا أو تكساس، وجاء ليحتل العراق ويروع الآمنين، مستعينا برشاشه سريع الطلقات الملوث بدماء أطفال ونساء وشيوخ!!
دارت في رأس "جوبا" صورا مؤلمة لطابور الشهداء العراقيين، ودون أن يعتدل في جلسته على قطعة الأسفنج البسيطة التي مدَها داخل حافلته ذات النوافذ الداكنة..ألصق عينه بعدسة بندقيته، شرع يتنفس ببطء..ببطء شديد. أرهف السمع..مراقبا اتجاه الريح، ضبط "الماسورة"، بحثا عن زواية الإطلاق الملائمة لبندقية القنص روسية الصنع من طراز "دراجونوف" التي شرعت تتنقل بروية من هدف محتمل إلى آخر. هل يطلق رصاصته على الجندي الذي خرج لتوه من السيارة المدرعة يطارد الصبي ذو الـ10 سنوات! أم زميله الواقف هناك يتطلع بريبة واستعلاء إلى ركاب السيارات المارة عبر الحاجز.بالنسبة لـ"جوبا" الخطأ محظور. مسموح له فقط أن يطلق رصاصة واحدة. وينبغي عليه أن يغادر المكان فورا، بهدوء، ودون أن يلفت الانتباه.
كاميرا الفيديو المثبتة داخل عدسة بندقية "جوبا" القناص، تسجل كل ما يحدث لحظة بلحظة، وتلتقط من آن لآخر لقطة (كلوز) لجندي يحمل مدفعه الرشاش. هل أتى دوره أم لم يحن أجله بعد. لا نرى سوى خوذته، وكتفيه، والنصف الأعلى من جسده. العدسة ترتد إليه ثانية. حانت ساعة المحتل. صوت طرقعة، وعمود دخان رفيع يتصاعد من الخوذة، ذراعين تطوحا في الهواء، وجسد يتهاوي مثل عروسة من القماش. بعد أن اخترقت رأس الجندي الأمريكي رصاصة بقطر 7.62 ملم.
سرعان ما تحول الفيلم إلى حديث الشباب العراقيين، ومصدرا للتباهي، في الوقت الذي يتبادل الشبان المصريين بأسى واضح أفلام التعذيب والتنكيل بالمصريين في سلخانات الشرطة بالقاهرة وغيرها من المحافظات. وكأن العراق انتقلت إلى مرحلة المقاومة، وتركت مصر تئن في حقبة "أبوغريب"!
لقد صار "جوبا" بطلا في نظر العراقيين الذين استشهد منهم خلال الأربع سنوات الماضية، 100 ألف، أو 650 ألف، لا أحد يعرف على وجه الدقة. لكن المؤكد أن أكثر من مليوني شخص من صفوة العراقيين فروا باحثين عن ملاذ آمن في دولة أخرى.
صحيح أن المواقف السياسية التي يتبناها السنة والشيعة متناقضة في شتى المجالات، لكن إذا صدقنا استطلاعات الرأي، فإن القاسم المشترك بين الطائفتين الأكبر في بلاد النهرين، هو كراهية المحتل. ولعل هذا هو سر نجاح وشعبية "قناص بغداد" الذي يوجه رصاصاته للمحتل فقط، ويوفرها عن صدور إخوانه العراقيين. لكن من هو هذا القناص المجهول، "زورو العربي" الذي يترك دائما في مسرح المقاومة بطاقة، أو تخطيطا على جدار مكتوب عليه: "ما أخذ بالقوة..لا يسترد بغير بالقوة".
Labels: politics
6 Comments:
هايل، لغة أدبية بديعة، وموضع مكتوب بحس وطني، وفيديو يبث الأمل في النفوس المقاومة
موضوع اكتر من رائع فعلا يا دكتور وفعلا حماسي جدا ويوحي ان لسه العرب فيهم ابطال خصوصا بعد ما اصبح كل حكامنا خونه وجبناء وعملاء للاعداء
الله اكبر وتحيا العراق وتحيا المقاومه العربية
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اذا كان هناك قناص واحد يقتل الامريكيين المحتلين فإن هناك العشرات من القناصين الارهابيين الذين يقتلون المواطنين الابرياء ، نعم مواطنين ابرياء ليس لهم اي ذنب ، وحتى القتل على الهوية اصبح الان "مودة قديمة" والمودة الجديدة هي القتل العشوائي للشعب العراق. فسوق الشورجة يتم استهداف المواطنين فيه من اجل منع بيع اي بضاعة فيه ، سواء كان المواطن سني ام شيعي ام كردي. فهل هذه هي المقاومة التي يتحدثون عنها ؟ انها مقاومة غير شريفة ، مقاومة مولودة من زنى بين البعثيين وتكفيريوا القاعدة.
وعليكم السلام ورحمة الله..أتفق معك أن حال العراق يرثى له، ويبكي القلبو قبل العيون..لكن لايوجد شعب في الدنيا يعبر عن تجانسي عرقي أو ديني واحد، وكل الشعوب تبحث عن الوحدة عبر المشتركات، ونقاط الاتفاق. وأختلف معك في اتهام المقاومة بـ"الزنى" أو كونها غير شريفة. تبقى مقاومة المحتل هي الأمل الوحيد. لأن القتل على الهوية، والقتل العشوائي هو سلعة يجيد الأمريكان تصنيعها في عراق الأمل
مقال رائع و يبعث الامل واستأذنك في ترجمته و نشره على صفحتي
متشكر جدا على زيارتك، ويارب تلاقي مواد كثير مفيدة. وبالنسبة لترجمة المقال اتفضل بكل سرور ومحبة..
وأهلا بيك دايما يا أحمد
Post a Comment
<< Home