Friday, December 01, 2006

قناص بغداد..أبوه عراقي وأمه مصرية


على بعد 200 متر، وقف على الطرف الآخر من مفترق الطرق الفسيح، القناص العراقي "جوبا" ينظر للجندي الأمريكي الشاب الواقف خلف المتاريس، يعتمر خوذة شفافة، تاركا أسرته في كاليفورنيا أو تكساس، وجاء ليحتل العراق ويروع الآمنين، مستعينا برشاشه سريع الطلقات الملوث بدماء أطفال ونساء وشيوخ!!
دارت في رأس "جوبا" صورا مؤلمة لطابور الشهداء العراقيين، ودون أن يعتدل في جلسته على قطعة الأسفنج البسيطة التي مدَها داخل حافلته ذات النوافذ الداكنة..ألصق عينه بعدسة بندقيته، شرع يتنفس ببطء..ببطء شديد. أرهف السمع..مراقبا اتجاه الريح، ضبط "الماسورة"، بحثا عن زواية الإطلاق الملائمة لبندقية القنص روسية الصنع من طراز "دراجونوف" التي شرعت تتنقل بروية من هدف محتمل إلى آخر. هل يطلق رصاصته على الجندي الذي خرج لتوه من السيارة المدرعة يطارد الصبي ذو الـ10 سنوات! أم زميله الواقف هناك يتطلع بريبة واستعلاء إلى ركاب السيارات المارة عبر الحاجز.بالنسبة لـ"جوبا" الخطأ محظور. مسموح له فقط أن يطلق رصاصة واحدة. وينبغي عليه أن يغادر المكان فورا، بهدوء، ودون أن يلفت الانتباه.

:انتظروا بقية الموضوع
:شاهد الفيلم على الرابط
يجب أن يختفي سريعا وسط شلال السيارات المتدفق على الطريق.لقد ذاع صيته، واشتهر أنه يطلق رصاصة واحدة فقط. وأطلق عليه الجنود الأمريكان "جوبا"..وفي ذهنهم مذبحة المارينز في الصومال، ونهر جوبا الصومالي الثائر دوما..يفيض فيغرق القرى. وتهب تماسيحه لتتغذى على جثث الناس وجيف الحيوانات. نهر ثائر تحيط به الأدغال، متحف طبيعي مكدس بأنواع من الحيوانات المتوحشة كالأسود والنمور والفيلة والتماسيح والحمير الوحشية والغزلان.

كاميرا الفيديو المثبتة داخل عدسة بندقية "جوبا" القناص، تسجل كل ما يحدث لحظة بلحظة، وتلتقط من آن لآخر لقطة (كلوز) لجندي يحمل مدفعه الرشاش. هل أتى دوره أم لم يحن أجله بعد. لا نرى سوى خوذته، وكتفيه، والنصف الأعلى من جسده. العدسة ترتد إليه ثانية. حانت ساعة المحتل. صوت طرقعة، وعمود دخان رفيع يتصاعد من الخوذة، ذراعين تطوحا في الهواء، وجسد يتهاوي مثل عروسة من القماش. بعد أن اخترقت رأس الجندي الأمريكي رصاصة بقطر 7.62 ملم.


الوصف السابق، هو انعكاس لمشاهد الفيلم الأكثر انتشارا بين الشباب العراقيين اليوم، ظهر لأول مرة على اسطوانة (دي في دي) وزعت على المصلين الخارجين من أحد المساجد في وقفة عيد الفطر الماضي، ومعها أكياس الحلوى العراقية. وبالإضافة إلى مشهد إطلاق النار على الجندي المغتصب، يظهر شاب قوي البنيان، ملثم، يضع بندقية قناصة، ومسدس شخصي على منضدة أمامه، ويضع علامة فوق الرقم 37، ضمن لوحة جداريةمن مربعات القنص صنعها بنفسه.
سرعان ما تحول الفيلم إلى حديث الشباب العراقيين، ومصدرا للتباهي، في الوقت الذي يتبادل الشبان المصريين بأسى واضح أفلام التعذيب والتنكيل بالمصريين في سلخانات الشرطة بالقاهرة وغيرها من المحافظات. وكأن العراق انتقلت إلى مرحلة المقاومة، وتركت مصر تئن في حقبة "أبوغريب"!



وعلى شبكة الانترنت تحول "جوبا" إلى أسطورة حقيقية، أكثر من 35 ألف عراقي شاهدوا الفيلم، وداروا في المواقع الإليكترونية بحثا عن قصص جديدة تروي آخر أنباء العمليات الفدائية التي نفذها "جوبا"، وتروي ظمأهم لنموذج مقاوم يقهر الأمريكان، ويخلصهم ولو قليلا من أخبار الاقتتال الطائفي، وسقوط المدنيين بنيران الإرهاب الأسود.
لقد صار "جوبا" بطلا في نظر العراقيين الذين استشهد منهم خلال الأربع سنوات الماضية، 100 ألف، أو 650 ألف، لا أحد يعرف على وجه الدقة. لكن المؤكد أن أكثر من مليوني شخص من صفوة العراقيين فروا باحثين عن ملاذ آمن في دولة أخرى.
صحيح أن المواقف السياسية التي يتبناها السنة والشيعة متناقضة في شتى المجالات، لكن إذا صدقنا استطلاعات الرأي، فإن القاسم المشترك بين الطائفتين الأكبر في بلاد النهرين، هو كراهية المحتل. ولعل هذا هو سر نجاح وشعبية "قناص بغداد" الذي يوجه رصاصاته للمحتل فقط، ويوفرها عن صدور إخوانه العراقيين. لكن من هو هذا القناص المجهول، "زورو العربي" الذي يترك دائما في مسرح المقاومة بطاقة، أو تخطيطا على جدار مكتوب عليه: "ما أخذ بالقوة..لا يسترد بغير بالقوة".
يقولون أنه ناصري يستلهم مواعظه من عبارات جمال عبد الناصر، ويقولون أنه ولد لأب عراقي، وأم مصرية. لا أحد يعرف من هو بالضبط، غير أن نشاطه يتركز في مدينة القائم على الحدود السورية. ويذهب بعض المحللين إلى أن القناص أو مجموعة القناصين ينتمون إلى حركة المقاومة التي عرفت باسم: "جيش الإسلام"، بعد تأسيسها عام 2003. وتتألف من قوميين عراقيين، وناصريين، ينسقون بعض عملياتهم مع فصائل مقاومة أخرى.
أيا يكن الأمر، لقد اعترفت صحيفتا "الجارديان"، و"لو موند" بالرعب النفسي الذي بثه "جوبا" في صدور المارينز وعقولهم، ولم يعد هناك مجال للشك في وجود "قناص بغداد"، بعد توزيع الفيلم الوثائقي الأخير: "جوبا..قناص بغداد: الجزء الثاني" مصحوبا بالترجمة إلى الإنجليزية، وأول عبارة تظهر على الشريط: "نحن العاصفة التي ستدمر الجنود الأمريكان". ما يشير إلى وجود جهاز إعلامي قوي مصاحب للمقاومة، ماهر في استخدام التقنيات الحديثة، ويعرف كيف يرهب العدو الأمريكي.

Labels:

6 Comments:

At 5:38 AM, Anonymous Anonymous said...

هايل، لغة أدبية بديعة، وموضع مكتوب بحس وطني، وفيديو يبث الأمل في النفوس المقاومة

 
At 6:08 AM, Anonymous Anonymous said...

موضوع اكتر من رائع فعلا يا دكتور وفعلا حماسي جدا ويوحي ان لسه العرب فيهم ابطال خصوصا بعد ما اصبح كل حكامنا خونه وجبناء وعملاء للاعداء
الله اكبر وتحيا العراق وتحيا المقاومه العربية

 
At 9:57 PM, Anonymous Anonymous said...

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اذا كان هناك قناص واحد يقتل الامريكيين المحتلين فإن هناك العشرات من القناصين الارهابيين الذين يقتلون المواطنين الابرياء ، نعم مواطنين ابرياء ليس لهم اي ذنب ، وحتى القتل على الهوية اصبح الان "مودة قديمة" والمودة الجديدة هي القتل العشوائي للشعب العراق. فسوق الشورجة يتم استهداف المواطنين فيه من اجل منع بيع اي بضاعة فيه ، سواء كان المواطن سني ام شيعي ام كردي. فهل هذه هي المقاومة التي يتحدثون عنها ؟ انها مقاومة غير شريفة ، مقاومة مولودة من زنى بين البعثيين وتكفيريوا القاعدة.

 
At 10:57 PM, Blogger aboud said...

وعليكم السلام ورحمة الله..أتفق معك أن حال العراق يرثى له، ويبكي القلبو قبل العيون..لكن لايوجد شعب في الدنيا يعبر عن تجانسي عرقي أو ديني واحد، وكل الشعوب تبحث عن الوحدة عبر المشتركات، ونقاط الاتفاق. وأختلف معك في اتهام المقاومة بـ"الزنى" أو كونها غير شريفة. تبقى مقاومة المحتل هي الأمل الوحيد. لأن القتل على الهوية، والقتل العشوائي هو سلعة يجيد الأمريكان تصنيعها في عراق الأمل

 
At 11:51 AM, Anonymous Anonymous said...

مقال رائع و يبعث الامل واستأذنك في ترجمته و نشره على صفحتي

 
At 9:01 AM, Blogger aboud said...

متشكر جدا على زيارتك، ويارب تلاقي مواد كثير مفيدة. وبالنسبة لترجمة المقال اتفضل بكل سرور ومحبة..
وأهلا بيك دايما يا أحمد

 

Post a Comment

<< Home

eXTReMe Tracker