Monday, May 08, 2006

"تورا بورا" المصرية تزعج مبارك وتل أبيب




في صباح التاسع من سبتمبر 2001، استيقظ محافظ شمال سيناء على نبأ كالصاعقة، كان كفيلا في دولة محترمة بإقالته من منصبه، ومحاكمته علنيا في أكبر ميادين العاصمة. فقد رحلت قبيلة العزازمة بجميع أفرادها، وأغنامها، وخيامها إلى "إسرائيل" احتجاجا على القمع الأمني الذي تتعرض له، والتنكيل الذي لا تستحقه.المثير في الأمر أن "الرئيس الإسرائيلي" وقتها "عيزر فايتسمان" أيقظ مبارك من "النوم"، وأخبره بتفاصيل الفضيحة، وأنه سيرد إليه القبيلة المصرية، وأوصاه بحسن معاملتها!! ومرت الحادثة الخطيرة مرور الكرام ولم يتعلم مبارك، ولا نظامه الدرس، حتى استيقظا على بؤرة مسلحة مشتعلة في جبل الحلال، صارت خطرا على أمنه الشخصي في شرم الشيخ. خاصة أن تحقيقات النيابة الأخيرة كشفت أن "سالم الشنوب" القائد العسكري للمجموعة التي خططت ونفذت عمليات طابا وشرم الشيخ كانت لديهم طموحات أوسع من ذلك بكثير!!

جبل الحلال، أو "تورا بورا" المصرية، لا يزعج مبارك، وحده، ولكنه يزعج تل أبيب أكثر وأكثر. المحلل الإستراتيجي "الإسرائيلي" عاموس عميدور، وهو لواء متقاعد بالجيش، يقول في مقال له بصحيفة هآارتس أن: "جبل الحلال عبارة عن منطقة وعرة معزولة جغرافيا، وأخطر ما فيها أنها تبعد عن أقرب مدينة مصرية بحوالى 200 كم، وهى مدنية نويبع. لكنها تبعد عن الحدود الإسرائيلية بنفس المسافة تقريبا، ولا يربطها بالعريش سوى طريق أسفلتى مكشوف لسكان الجبل. وهذا سر الفزع "الإسرائيلي" مما يحدث في "تورا بورا" المصرية.

حالة الرعب في تل أبيب نتجت من فهمهم لطبيعة الهجمات الإرهابية الكبرى فى سيناء التي تركزت فى الشمال السيناوى (طابا، راس شيطاني) أو خرجت منه، والأسماء المعلنة للمتهمين الرئيسيين تنتمى إلى قبائل شمال سيناء بالعريش، وهو أمر منطقي، خاصة أن هذه القبائل ذات أصول فلسطينية ومشهورة بانحيازها للكفاح الفلسطينى المسلح، وهذه القبائل بالذات تعرضت للطرد والترحيل من صحراء النقب عام 48، وسلبت أراضيهم على يد جيش الاحتلال. وعانت من تدهور الأحوال الاقتصادية والمعيشية فى ظل الاحتلال "الإسرائيلى" لسيناء. وواصلت الحكومات المصرية بعد التحرير معاملة هذه القبائل بعنف شديد، وبتجاهل منفر للعادات والتقاليد التى تحكم هذه المجموعة البدوية.

حاول النظام المصري بإصرار غير مبرر تحويل سكان شمال سيناء من بدو رحل إلى سكان مدن حضرية على ساحل البحر الأحمر. وبالطبع فشلت كل مساعى التغيير القسري لطبيعتهم. وزاد الطين بلة، أن الحكومة ظلت تتعامل معهم بشك وريبة، وترفض تجنيدهم، أو منحهم جوازات سفر مصرية، ودمجهم في النسيج الوطني الجامع.

أما الكارثة الأكبر فكانت اقتصادية، لأن بدو شمال سيناء لم يستفيدوا من حالة الازدهار والرواج التجاري التى تمتعت بها قبائل الجنوب بفضل المشروعات السياحية الضخمة التى توجهت إلى منطقة جنوب سيناء. وقر فى وجدانهم الشعور بالظلم الاجتماعى بدعوى أن بدو الجنوب تمتعوا طوال الوقت بخيرات سيناء، وعاشوا "أياما جيدة" حتى فى ظل الاحتلال "الإسرائيلى" الذى تعامل معهم بـ"قفازات حريرية". بينما تحملوا هم عبء الاعتقالات والمطاردات الأمنية الإسرائيلية لمشاركتهم فى العمل الفدائى بعد 67. ولم تفطن أجهزة الإدارات المحلية المصرية بعد التحرير لهذه المشكلات المعقدة. ولم تدرك أن العلاقات متقطعة بين بدو الجنوب الذين يتركزون فى دهب ونويبع وسانت كاترين ويجتمعون فى تحالف قبلى قوى يعرف بالطوارة، وبدو الشمال الذين دفعتهم ظروفهم الاقتصادية السيئة إلى الدخول فى صراعات قبلية مستمرة على الماء، وموارد الرزق، وفى نهاية المطاف تدفعهم سياسات القمع والقتل والتعذيب والاعتقال الجماعى إلى العداء للسلطات، وربما مساعدة جهات إرهابية انتقاما من آلة القمع التى لا تتوقف، ولا تريد أن تدرك أن حل المشكلة فى شمال سيناء يكون بإجراء دراسات اجتماعية، وأنثروبولوجية جادة، وإقامة مشروعات اقتصادية توفر فرص عمل حقيقية، وإشعار بدو سيناء بأنهم مواطنون لهم نفس الحقوق، وعليهم نفس الواجبات فى دولة تحترم كل مواطنيها.

Labels:

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

eXTReMe Tracker