مطاريد جبل الحلال
مخطئ من يظن أن الأمور هدأت فى شمال سيناء، والرئيس مبارك يرتكب خطأ جسيما لو ظن أنه باستضافة أربعة إلى خمسة أشخاص باللباس البدوى أثناء إلقائه خطاب الفوز بالانتخابات قد أعاد الهدوء لنقطة مصرية ملتهبة على الحدود مع إسرائيل. الأوضاع المتدهورة فى الشمال السيناوى لا يمكن أن تحل بالعضلات الأمنية، أو بالمجاملات البروتوكولية. ولا أدرى لماذا لم يلتفت أحد إلى أن انتقال المطاردات إلى جبل الحلال يحمل تهديدا مباشرا للأمن القومى المصري. منطقة جبل الحلال التى تأوى اليوم مجموعة من الإرهابيين والخارجين عن القانون هى منطقة وعرة معزولة جغرافيا، تبعد عن أقرب مدينة مصرية بحوالى 200كم، وهى مدنية نويبع. كما تبعد عن الحدود الإسرائيلية بنفس المسافة تقريبا، ولا يربطها بالعريش سوى طريق أسفلتى مكشوف لمطاريد الجبل المقلق أن الهجمات الإرهابية الكبرى فى سيناء تركزت فى الشمال السيناوى أو خرجت منه، والأسماء المعلنة للمتهمين الرئيسيين تنتمى إلى قبائل شمال سيناء بالعريش، وهو أمر منطقي، وبديهى خاصة أن هذه القبائل ذات أصول فلسطينية ومشهورة بانحيازها للكفاح الفلسطينى المسلح، وهذه القبائل بالذات تعرضت للطرد والترحيل من صحراء النقب عام 48، وسلبت أراضيهم على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي. وعانت من تدهور الأحوال الاقتصادية والمعيشية فى ظل الاحتلال الإسرائيلى لسيناء، وواصلت الحكومات المصرية بعد التحرير معاملة هذه القبائل بعنف شديد، وبتجاهل منفر للعادات والتقاليد التى تحكم هذه المجموعة الأثنية. ومن ثم فشلت كل المساعى لتحويلهم، قسرا، من بدو رحل إلى سكان مدن حضرية على ساحل البحر الأحمر. وزاد الطين بلة، أن بدو الشمال لم يستفيدوا من حالة الازدهار الاقتصادى التى تمتعت بها قبائل الجنوب بفضل المشروعات السياحية الضخمة التى توجهت إلى منطقة جنوب سيناء. وقر فى وجدانهم الشعور بالظلم الاجتماعى بدعوى أن بدو الجنوب تمتعوا طوال الوقت بخيرات سيناء، وعاشوا أياما جيدة حتى فى ظل الاحتلال الإسرائيلى الذى تعامل معهم بقفازات حريرية. بينما تحملوا هم عبء الاعتقالات والمطاردات الأمنية الإسرائيلية لمشاركتهم فى العمل الفدائى بعد 67. ولم تفطن أجهزة الإدارة المحلية المصرية بعد التحرير لهذه المشكلات المعقدة. ولم تدرك أن العلاقات متقطعة بين بدو الجنوب الذين يتركزون فى دهب ونويبع وسانت كاترين ويجتمعون فى تحالف قبلى قوى يعرف بالطوارة، وبدو الشمال الذين دفعتهم ظروفهم الاقتصادية السيئة إلى الدخول فى صراعات مستمرة، وفى نهاية المطاف تدفعهم سياسات القمع والقتل والتعذيب والاعتقال الجماعى إلى العداء للسلطات المصرية، وربما مساعدة جهات إرهابية انتقاما من آلة القمع التى لا تتوقف، ولا تريد أن تدرك أن حل المشكلة فى شمال سيناء يكون بإجراء دراسات أنثروبولوجية جادة، وإقامة مشروعات اقتصادية توفر فرص عمل حقيقية، وإشعار بدو سيناء بأنهم مواطنون لهم نفس الحقوق، وعليهم نفس الواجبات فى دولة تحترم كل مواطنيها.
Labels: politics
1 Comments:
قشطة يا عبوز .. بلوغ جامد جدا
المتحدث العلامى باسم تنانين
أنا
Post a Comment
<< Home